هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كل شي عن البوذيين .. مميز.

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 3:40 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Rur60921


تاريخ تمهيديٌّ للتقاليد التبتية الخمسة للبوذيَّة والبونيَّة

التقاليد البوذية الأربعة، وهي: نيينغما وكاغيو وساكيا وغيلوغ. والخامس هو التقليد التبتي للبونية، السابق للبوذية. وكثيرًا ما نسمع المقطع الصوتي "با" في نهاية هذه الأسماء، وهو يعني: "تابعٌ لهذا التقليد"؛ فعلى سبيل المثال، "غيلوغ با" تعني: شخصًا يتبع تقليد الغيلوغ.

الإمبراطور سونغتسين-غامبو وتقديمه للبوذية

إذا أردنا قراءة تاريخ البوذية فعلينا أن نستقصيه من بداياته، من القرن السابع الميلادي، ففي بداية ذلك القرن غزا ملكٌ من التبت الوُسطى يُدعى سونغتسين-غامبو المملكة التبتية الغربية لشانغ-شُنغ، وأنشأَ أوَّل إمبراطورية تبتية مُوحَّدة، وكان توحيد أية إمبراطوريةٍ في تلك الأيام يكون من خلال زواج الملك بأميرات الممالك القريبة؛ وكان ذلك ليأمن الملك الغازي جانب ملوك هذه الدول لوجود بناتهم في قصور الإمبراطورية. وقد تزوج الإمبراطور سونغتسين-غامبو أميراتٍ من الصين ونيبال وشانغ-شُنغ. وقد جلبَت الأميرتان الصينية والنيبالية نصوصًا بوذية، في حين أحضرت الأميرة الشانغ-شُنغية معها مُعتقداتها البونية، وكانت البونية حينذاك هي الديانة الأصلية لشانغ-شُنغ.

إذا اعتمدنا على وجهة النظر التاريخية الغربية لوجدنا أنه لم يكن للبوذية تأثير كبير في هذه الفترة المبكرة، وإنما كان التطور الرئيس الذي أصابها هو تلك المعابد البوذية الثلاثة عشر التي بناها هذا الإمبراطورِ الأول في منطقة حُكمه. كانت مملكة التبت تظهر على الخريطة كأنها شيطانة أنثى تستلقي على الأرض، فاختار الإمبراطور ثلاثة عشر موقعًا على ذلك الجسد الشيطاني، كأنها نقاط وخزٍ للإبر، وأمر ببناء المعابد على كلٍّ منها لتطويع طاقة شيطانة التبت والسيطرة عليها. وهكذا وصلت البوذية إلى أرض الثلوج.

وعندما رغب سونغتسين-غامبو في زيادة الوحدة والترابط في إمبراطوريته فكر في جلب أبجدية لكتابة اللغة التبتية. فأرسل وزيره تونمي-سامبوتا للحصول على تلك الأبجدية من خوتان، وليس من الهند، كما يُفسره التاريخ التبتي التقليدي في مواطن كثيرة. فقد كانت خوتان مملكة بوذية تقع شمال التبت الغربية في آسيا الوسطى، وكانت الطريق التي اتخذها الوزير إلى خوتان تمر عبر كشمير، وعندما وصل إلى كشمير اكتشف أن الوزير الذي سيقابله في خوتان كان موجودًا في كشمير مُصادفةً في ذلك الوقت. وهكذا ظن الكثيرون أن الأبجدية التبتية جاءت من كشمير. ولكن التحليل الإملائي للهجات يُوضِّح أن الأبجدية التبتية تحمل في الحقيقة ملامحَ خاصة بالنصِّ الخوتاني فقط. وبعد ذلك كان هناك تواصلٌ مع البوذية في الصين وخوتان، أكثر منه مع البوذية الهندية. غير أن الديانة البونية بقيَت قوية في التبت أكثر من البوذية خلال هذه الفترة المبكرة، فهي مَن أوجدت المراسم المُستخدَمة في طقوس الدولة.

فترة الانتقال القديمة (نيينغما)

في منتصف القرن الثامن الميلادي تبوَّأ العرشَ إمبراطورٌ عظيمٌ آخر وهو تري سونغديتسين، وكان قد تلقى نبوءةً عن تعاليم بوذية مستقبلية في التبت، وتجاوبًا مع هذه النبوءة دعا معلمًا بوذيًّا عظيمًا من الهند وهو شانتاراكشيتا. وبعد فترة وجيزةٍ من وصول رئيس الدير الهندي انتشر وباءُ الجدري، فأرجع وزراءُ البلاط - الذين كانوا يعادون كل ما هو أجنبي في التبت - سبب الوباء إلى شانتاراكشيتا، وطردوه من التبت. ولكن قبل مغادرته نصحَ شانتاراكشيتا الإمبراطورَ بدعوة غورو رينبوتشي بادمسامبافا إلى القدوم لحل المشاكل وإنهاء التوتُّرات في البلاد، فاستجاب له تري سونغديتسين، وجاء بادمسامبافا وخلَّصَ التبت من مشكلاتها. وبعد ذلك دعا الإمبراطورُ شانتاراكشيتا إلى العودة. كان هناك عدة معابد بوذية في البلاد من قبل، ولكنهم الآن بَنُوا أوَّلَ ديرٍ في التبت في سمياي، جنوب لاسا. وأجرى رئيس الدير الهندي سيامة الرهبان الأوائل.

وقد مارس غورو رينبوتشي ذلك التعليم وقتًا قصيرًا، وهذا التعليم لم ينتشر في التبت كثيرًا، فدفن في الغالب النصوص البوذية، بعدما اعتقدَ أن التبتيين في ذلك الوقت لم يتقبلوها بعدُ، وكانت هذه النصوص تحتوي على أعلى تعاليم التانترا، التي تُدعى دزوغتشين، أي الكَمالُ العظيم.

بعد ذلك عمل العديد من الباحثين الصينيين والهنود والشانغ-شُنغيون بانسجامٍ معًا في دير سمياي؛ حيث جمعوا في الغالب نصوصًا من تقاليدهم الخاصة وترجموها. وأصبحت البوذيةُ الديانةَ الرسمية للدولة، وكان للصينيين التأثير الأكبر في ذلك الوقت، ثم أصبح الإمبراطور الصيني يرسل راهبيْن إلى سمياي مرة كل عامينِ. وكان نموذج البوذية الذي اتبعه الرهبان الصينيون هو تشان، وهو النموذج السابق لزن الياباني.

وقد تنبَّأ شانتاراكشيتا بنشوء نزاعٍ ما مع الصينيين، تذكروا رجاءً أن التاريخ الديني لم يحدث في فراغ؛ بل حدث في علاقةٍ مع التاريخ السياسي، حيث نشبت هناك حروبٌ كثيرة بين الصين والتبت في ذلك الوقت. قال شانتاراكشيتا: إن عليهم دعوة تلميذه كامالاشيلا، لتسوية أية مشكلة تنشأ هناك.

في هذه الأثناء أرسلَ الإمبراطور تري سنوغديتسين المزيد من التبتيين إلى الهند لإرجاع التعاليم، ودعوة المزيد من الهنود إلى بلاده. وقد دُفِن نصوص أخرى بسبب الحروب مع الصين وآسيا الوسطى، وخوفًا من الوزراء الذين كانوا معادين لأي تأثيرٍ أجنبي في التبت، ويبدو من المعقول وجود اضطهاد ضد البونيين في سمياي وفي البلاط. وكانت طائفة البونيين أساسًا من شانغ-شُنغ.

كانت هناك كذلك مناظرة دارما بين كامالاشيلا الذي يمثل الهنود، وبين الممثل الصيني. وبالطبع خسر الصيني المناظرة. ولم يكن هناك مجالٌ لمعلِّم تشان أن يهزم معلمًا في المنطق من الهند في مناظرةٍ منطقية. لم تكن هناك منافسة، فليس لممارسي التشان تدريبٌ في المنطق. ولأسبابٍ عدة، يمكن للمرءٍ أن يفترض جدلاً أن المناظرة لم تكن إلا حركة سياسية ليتعللوا بها في طرد الصيني وتبني البوذية الهندية بصفتها النموذج الرئيس للبوذية في التبت. ومن بين كل الممالك والإمبراطوريات المجاورة للتبت كان للهنود أقلُّ تهديدٍ عسكري.

بداية أود أن أعرض التاريخ من وجهة النظر الغربية، وليس من وجهة النظر التبتية التعبدية العادية؛ لأنني قد تدربت على هذا الأمر، وأعتقدُ أنها تشير إلى ما حدث بدرجة أكثر وضوحًا، وتفسيراتها معقولة إلى حد كبير.

كثرت الترجمة بعد ذلك في بداية القرن التاسع الميلادي في ظل الرعاية الملكية، وقد جمع الباحثون قاموسًا سنسكريتيًّا-تبتيًّا، ووضعوا مصطلحات الترجمة وأسلوبها ضمن معايير، وما يثير الاهتمام هو أن الباحثين لم يشملوا أية مصطلحات للتانترا في القاموس؛ فقد كانت التانترا حينئذ موضع جدالٍ أساسًا.

وفي منتصف القرن التاسع الميلادي اضطهد الإمبراطور لانغدارما البوذية، وهو الاضطهاد الذي ذاع صيته بصورة سيئة، فتحوَّل لانغدارما إلى شيطان، كما تشير إلى ذلك المصادر التاريخية الدينية. قد يكون من الموضوعية رؤية هذه الاضطهاد ردَّ فِعلٍ على رؤساء الأديرة والرهبان في سمياي الذين كانوا يحاولون فرض تأثيرهم الشديد على الحكومة، وذهب كثير من الضرائب التي جمعتها الدولة إلى دعم الأديرة، وأصبح عبئا اقتصاديا لا يُحتمَل.

في الحقيقة، إن كلَّ ما فعله لانغدارما هو إغلاق الأديرة فقط، ولا يعني ذلك أنه دمر البوذية؛ فلم يدمر المكتبات البوذية، فقد عثر أتيشا عليها عندما قَدِمَ إلى التبت بعد قرنٍ من الزمان. واستمرت البوذية خارج الأديرة. وتعرف المرحلة التي سبقت "فترة الانتقال القديمة" (فترة الترجمة القديمة) واستمرت خلالها باسم "التقليد القديم"، أو تقليد نيينغما.

فترة الانتقال الجديدة

كما ذُكرَ سابقًا، فقد حدث اضطهاد البون قبل سنواتٍ من اضطهاد البوذية، ومثلما فعل غورو رينبوتشي ومعلمون بوذيون آخرون في ذلك الوقت دفن العديد من معلمي البون أيضًا نصوصًا لتكون في مأمن. وفي بداية القرن العاشر الميلادي بدأ البونيون في إحياء نصوصهم، التي لم تكن حول التانترا فحسب، بل حول السوترا كذلك. إن تعاليم البون شديدة الشبه بتلك الموجودة في البوذية. وما يثير الاهتمام حقًّا هو أن البون بدأت تقليد الكشف عن النصوص المخفِيَّة مثل الكنز قبل البوذيين.

حدث في القرن العاشر الميلادي بعد ذلك سوء فهم كبير للتانترا في التبت - كان ذلك في تقليد النيينغما الذي نجا خارج الأديرة، وكان الناس ينفذون التعاليم حَرفيًّا - خاصة الأجزاء التي بدت أنها تتحدث عن الجنس والعنف، ولم يكن الانجذاب إلى الجنس والعنف شيئًا جديدًا في المجتمع، فلا شك أنهم اختبروا ذلك في تلك الأيام.

وكما كان الحال سابقًا أرسل الملك حينئذٍ باحثين إلى الهند لإرجاع التعاليم مرةً أخرى، ومحاولة تصحيح سوء الفهم. ويرجع سوء الفهم في البداية إلى عدم وجود أديرة، كما كان من قبلُ، لتضع الدراسة والتدريب ضمن معايير محددة. أما الآن فقد ظهر ما يُدعى بـ"فترة الانتقال الجديدة" (سارما، فترة الترجمة الجديدة). وكان هذا الوقت بداية التقاليد التي تُدعى كادام وساكيا وكاغيو. ولم تكن هذه الأسماء موجودة في الهند، فقد نشأت بسبب ذهاب الكثير من المترجِمين المختلفين إلى الهند ونيبال، والعودة بمجموعاتٍ مختلفة من النصوص والتعاليم والتمكين التانتري (الابتداءات). كما أن العديد من المعلمين الهنود والنيباليين والكشميريين قد استقروا في التبت، ومنهم خرجت السلالات التبتية المختلفة.

وتُشبه هذه الظاهرة اليومَ قدوم عددٍ كبير من اللامات التبتيين إلى الغرب، وهم - كما يبدو - نادرا ما يتعاونون مع بعضهم البعض، ومعظمهم يُنشئ مركز دارما خاص به وحده، ويذهب الكثير من الغربيين إلى الهند ونيبال للدراسة مع التبتيين في غُربتهم هناك، كما أن الكثير منهم يُنشئون مراكز دارما خاصة بهم عند عودتهم إلى أوطانهم. ولدينا الآن سلالات كثيرة، مثل: سلالة كالو رينبوتشي، وسلالة شامار رينبوتشي، وسلالة سوغيال رينبوتشي، وسلالة نامكاي نوربو رينبوتشي، وسلالة لاما يِشي، وسلالة غيشي توبتين نغاوانغ، وسلالة غيشي رابتين، وسلالة ترونغبا رينبوتشي، إلى آخره. لم يكن أي منها موجودةً في التبت. فنجد أشخاصًا من الغرب يقولون: "أنا تابع لكالو رينبوتشي". "أنا تابع لنامكاي نوربو". "نُعرف عن أنفسنا بأسماء المعلمين". وقد تكوَّنت السلالات في التبت بالأسلوب نفسه، كما يبدو أنها تتكوَّن الآن في الغرب. كانت جديدةً تمامًا، ولم تكن موجودةً قبلاً.

وكما يدرس الناسُ اليوم مع معلمين كثيرين، كذلك كانت الحال آنذاك، فقد التقت السلالات، ودرسَ الناسُ سلالاتٍ متعددة، وخلطوا فيما بينها بشكلٍ ما، وقد أنشئوا الأديرة بدلاً من مراكز الدارما. ويرجع ما حدث إلى أن العديد من هذه السلالات اندمجت مع بعضها البعض، بتعاليمها ومعلميها المتباينين، حتى تكوَّن بعد ذلك عددٌ ثابتٌ من المدارس، ونأمل أن يحدث ذلك في الغرب، فقد كان من المستحيل لمئتي صورة مختلفة للبوذية أن تستمر منفصلة عن بعضها البعض. فخطوط الانتقال الخاصة بمختلف الممارسات والنصوص والتمكينات التانترية اجتمعت معًا لينتجَ عنها مدارس كادام وكاغيو وساكيا خلال هذه الفترة الجديدة. ونتجت السلالات المتعددة التي كانت في التبت قبل هذه المرحلة الجديدة عن مدرستي النيينغما والبونيين. وقبل هذه الفترة لم يكن هناك إلا أديرة متفرقة، لا تجمعها أي مدارس مُنظَّمة.

ليس للتقاليد التبتية الخمسة هوياتٌ متوارَثة، وليس لها إلا اتفاقات تجمع خطوطًا مختلفةً ومعلمين مختلفين؛ خطوط تعاليم وتمكينات نقلها المعلمون الزائرون في التبت. وهكذا نشأت التقاليد التبتية الخمسة للبوذية والبون بدءًا من نهاية القرن العاشر الميلادي.

كادام وغيلوغ

أنشأ سلالة كادام المعلمُ الهندي أتيشا، وأجمل ملامح هذا التقليد كانت تعاليم لوجونغ. وعادةً ما تُترجم لوجونغ إلى "تدريب العقل"، ولكنِّي أفضِّلُ ترجمتها بـ"تنقية السلوكيات." وقد انقسمت هذه السلالة إلى ثلاث وحدات، ثم دمجها تسونغخابا وأصلحها في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الميلادي، لتتحول إلى: تقليد الغيلوغ.

كان أكثر إنجازات تسونغخابا إثارةً للإعجاب هو أنه قرأ تقريبًا كل الأدبيات البوذية الموجودة في أيامه. وكان لكثير من النصوص نُسَخٌ متعددة في التبت، وقد ترجم معظمها ثلاث مراتٍ أو أربع، وكان لها مجموعة كبيرة من التفاسير، وقد قرأها تسونغخابا كلها تقريبًا - أي السوترا والتانترا - وقارنَ كل شيء، استمر في مسعاه، وكان يقول: "بالنسبة لهذه الفقرة فهذه الترجمة تضعها بهذه الصورة، وتلك الترجمة تضعها بتلك الصورة، وهذا التفسير يشرحها بهذه الصورة، وذاك التفسير يضعها بتلك الصورة. ولكن هذه الترجمة أو هذا التفسير ليس منطقيًّا، ولا معنى له؛ لأنه يناقض هذا وذاك...".

وبهذه الطريقة توصَّل تسونغخابا إلى تصحيح الترجمة وفهم النصوص الرئيسة كلها، ولم يُصرح باستنتاجاته فحسب، على نحو: "هذا ما تعنيه هذه الفقرة؛ لأني أقول ذلك."، بل دعم كل شيءٍ بالمنطق والسبب. بالإضافة إلى ذلك ركَّز خاصة على أكثر الفقرات صعوبةً في كل نصٍّ، تلك الفقرات التي كان أيُّ شخصٍ آخر يتجاوزها، فأصبحت أعماله حجرَ الأساس لمدرسة الغيلوغ.

وكان لتسونغخابا الكثير من التلاميذ، أحدُهم أصبح بعد "الدالاي لاما الأول"، ورغم أن اسمه "دلاي لاما" فإنه لم ينضم إلى ذلك الخط إلى مع الحلول الثالث. وكان المنغول هم مَن أطلقوا اسم "الدالاي لاما الثالث" عليه، وكان "الدالاي لاما الخامس" في منتصف القرن السابع عشر الميلادي قد ولاه المنغول الحكم على التبت. وقد فعل المنغول ذلك في البداية لإنهاء حربٍ أهلية تبتية استمرت 150 (مئة وخمسين) عامًا، ولرعاية الوحدة والاستقرار في البلاد. حيئذِ أصبح الدالاي لامات حُماةَ كل التقاليد في التبت، وليس الغيلوغ فحسب، رغم أن خط الدالاي لاما نشأ أصلاً من داخل مدرسة الغيلوغ. أمَّا المعلم الرئيس للدلاي لاما الخامس فأصبح يُعرَف باسم: "البانتشين لاما الأول".

ساكيا

المعلم الهندي فيروبا هو الذي أنشأ سلالة الساكيا، وهو الذي جاء بالتعاليم المعروفة باسم لامدراي "الدروب ونتائجُها"، وهو تعليم الساكيا الرئيس الذي يجمع بين السوترا والتانترا. وقد طَوَّر مدرست الساكيا خمسة معلمين أوائل، كلهم ينتمون إلى الأسرة النبيلة نفسها. وقد مَنَح الإمبراطور المنغولي قوبلاي خان أحدهم، وهو تشوغيال باغبا، وِصايةً سياسية على التبت في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد أعادت هذه الخطوة ترسيخ الوحدة السياسية في التبت أول مرة خلال فترة الترجمة الجديدة.

كاغيو

كان لتقليد الكاغيو خطَّان رئيسان، أحدهما: هو شانغبا كاغيو، وهي السلالة التي كان يرْأَسُها الراحل كالو رينبوتشي، وقد جاء بها المعلم التبتي كيونغبو نيلجور، الذي ذهب إلى الهند في بداية القرن الحادي عشر، وعاد ومعه التعاليم من ناروبا والمعلمتين العظيمتين اليوغينيات نيغوما وسوكاسيدي.

ثانيهما: هو داغبو كاغيو، وهو الخط الذي عبر من تيلوبا إلى ناروبا، وبعدها إلى ماربا وميلاريبا وغامبوبا التبتية. وبعد غامبوبا انقسم الخط إلى اثنتي عشرة سلالة، بداية من تلاميذه حتى الجيل التالي من التلاميذ. من بين السلالات الاثنتي عشرة ثلاثةٌ فقط مُنتشرة اليوم ومعروفة في الغرب: الكارمابا الأول الذي أنشأ مدرسة الكارما كاغيو، وهو تلميذٌ مباشر لغامبوبا، والآخران هما: دروغبا ودريكونغ كاغيو.

تقليديًّا كانت كل مدرسة كاغيو مستقلة، دون الحاجة إلى وجود رئيسٍ عامٍّ لكل خطوط الكاغيو. وعندما فرَّت جالية اللاجئين التبتيين الحالية إلى الهند في وقت تمرد لاسا عام 1959 م، كان أشهر رؤساء سلالات الكاغيو الذين هربوا هو الكارمابا السادس عشر، وقد اختير مؤقتا قائدا لكل سلالات الكاغيو؛ وذلك ليساعد في عملية إعادة التوطين. وفي الوقت الحالي استعادت تقاليد الكاغيو المتعددة دروبَها الفردية.

خلال أوائل القرن الحادي عشر الميلادي - عندما كانت مدارس الترجمة الجديدة قد بدأت في الظهور - بدأ معلمو النيينغما في الكشف عن النصوص التي دُفِنَت من قبل، فوضعها لونغتشينبا مع بعضها البعض في القرن الثالث عشر لِيُكوِّنَ قاعدة نصية لمدرسة النيينغما، ويُرجح أن تقليد النيينغما هو الأقل توحُّدًا بين المدارس التبتية المتعددة؛ فكل ديرٍ من أديرتها مستقلٌّ إلى حدٍّ كبير.

حركة ريمي اللاطائفية

هناك حركة واحدة لا بد من ذِكرها، وهي: الريمي أو: "الحركة اللاطائفية." فقد بدأ الأمر في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي في خام جنوب شرق التبت. وقد قدِمَ المعلمون المؤسِّسون جميعًا من سلالات الكاغيو والساكيا والنيينغما. وكان من بينهم - ولعلهما أكثرهم شهرة - كونغترول رينبوتشي الأول وجامغون كونغترول. ويعود السبب الرئيس لإنشاء حركة ريمي إلى حِفظ السلالات والنصوص من كل التقاليد، بما في ذلك الغيلوغ، التي أصبحت نادرة الوجود في ذلك الوقت.

ويُخمِّن بعض الباحثين الغربيين وجود أهداف سياسية مَخفيَّة وراء تأسيس حركة ريمي، فقد أصبحت مدرسة غيلوغ في ذلك الوقت قوية جدًّا، وكانت التقليد الرئيس في التبت الوسطى وفي شمال شرق التبت (أمدو)، بالإضافة إلى أنَّ أتباع تلك المدرسة بسطوا سيطرتهم على حكومة التبت الوسطى، وربما شعرت التقاليد الأخرى بالتهديد، فأحست أنهم يستطيعون الحافظ على هوياتهم من خلال اتحادهم معا، وربما استطاعوا إيجاد قوة موحدة بديلة للتبت، وهكذا ظهرت حركة ريمي.

ولعل تلك المقدمة عن تاريخ التقاليد التبتية الخمسة تكون كافية. ورغم أن هناك كثيرًا من الأسماء، إلا أنه من المفيد تكوين فكرة عن التاريخ وهوية شخصياته الرئيسة، مثل: الدالاي لامات والبانتشين لامات والكارامبا. وهذا بدوره يمكن أن يُساعد في تفادي مآزق الطائفية، حتى نتمكن من إيجاد احترامٍ لكل التقاليد في التبت.

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 FKU60921

انتشار البوذيَّة في آسيا

لمحة تاريخية موجَزة

رغم أن البوذيَّة لم تنشئ أيَّة حركة تبشيريَّة أبدًا، إلا أنَّ تعاليم بوذا انتشرت في طول الأرض وعرضها، وفي شبه القارَّة الهنديَّة، ومن هناك عبرت لآسيا. وفي كلِّ حضارة وصلتها عُدِّلت الطرق والأساليب البوذيَّة لتلائم العقليَّة المحليَّة، دون التنازل عن النقاط الجوهريَّة الخاصَّة بالحِكمة والشفقة. لكن البوذيّة لم تصنع أبدًا هرمًا شاملاً للسلطة الدينيَّة برئاسة عُليا، بل طوَّرت كلُّ دولة وصلت إليها البوذيَّة نُظُمها وبنيتها الدينيَّة ورئاستها الروحيَّة الخاصة بها. وإحدى هذه السُّلطات المعروفة جدًّا، وهي التي تحظى باحترامٍ دوليٍّ حاليًّا، هي قداسة الدالاي لاما في التبيت.

هناك قسمان رئيسان للبوذيَّة :

•الهينايانا ، أو الواسطة المتواضعة، التي تؤكِّد على التحرُّر الشخصيِّ،

•في حين أنَّ الماهايانا أو الواسطة العظيمة تؤكِّد على العمل للوصول إلى أن يصير المرء بوذا مستنيرًا على نحوٍ كامل، من أجل أن يكون المرء قادرًا بشكلٍ أفضل على مساعدة الآخرين.

لكلِّ جزء أقسام فرعيَّة، لكن في الوقت الحاليِّ لم يتبقَّ سوى ثلاثة نماذج مهمَّة: أحدها الهينايانا، التي تُعرف بالثيرافادا، في جنوب شرق آسيا. واثنان من ماهايانا، وهما التقليدان: الصينيُّ والتبيتيُّ.

انتشر تقليد الثيرافادا من الهند إلى سريلانكا وبورما في القرن الثالث ق.م، ومن هناك إلى ينان جنوب غرب الصين وتايلاند ولاوس وكامبوديا وجنوب فيتنام وإندونيسيا. وقد عُثِر لاحقًا على أكياس للنقود تابعة للتجار الهنود البوذيين على ساحل شبه الجزيرة العربيَّة حتى الإسكندريَّة بمصر. وقد انتشرت نماذج أخرى من الهينايانا منذ ذلك الوقت في باكستان وكشمير وأفغانستان وإيران الشرقيَّة والساحليَّة وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان الحاليَّة. وكانت تلك الولايات القديمة غندهارا وباكتريا وبارثيا وسغديا في آسيا الصغرى هي القاعدة التي انطلقت منها تعاليم البوذية وانتشرت في القرن الثاني الميلادي، ووصلت إلى تركستان الشرقية (شينجيانغ) وتوغلت داخل الصين، وفي نهاية القرن السابع استمرَّ انتشارها حتى قرغيزستان وكازاخستان. وقد دُمِجت تلك النماذج من الهينايانا لاحقًا مع فروع الماهاياما التي قدِمَت من الهند؛ لتُصبح الماهايانا في النهاية النموذجَ السائد للبوذيَّة في معظم بلاد آسيا الوسطى.

وقد انتشر النموذج الصيني للماهيانا حتى وصل إلى كوريا واليابان وشمال فيتنام، وانتشرت كذلك موجة مبكِّرة من الماهايانا المختلطة بالنماذج الشافيتية من الهندوسية، ومن الهند إلى نيبال وإندونيسيا وماليزيا وبعض المناطق من جنوب شرق آسيا، وبدءًا من القرن الخامس تقريبًا انتشرت التقاليد الماهايانية التبتية، التي بدأت في القرن السابع، والتي ورثَت التطوُّر التاريخي الكامل للبوذيَّة الهنديَّة عبر مناطق الهيمالايا، وحتى منغوليا وتركستان الشرقية وقرغيزستان وكازاخستان، وشمال الصين الداخليَّة ومنشوريا وسيبيريا ومنطقة منغوليا الكالميكيَّة قرب بحر قزوين في روسيا الأوربية.

الأسلوب الذي انتشرت من خلاله البوذيَّة

كان انتشار البوذيَّة في آسيا يحدث بطرق سلمية ومتنوعة، وحدَّد شاكياموني بوذا سابقة تاريخية لانتشار البوذية، وبحكم كونه معلِّمًا أساسيًّا فقد ارتحل إلى البلاد القريبة ليشرك معه المثقفون والمهتمون في البصيرة الروحية التي فُتح عليه بها. كما أرشد رهبانه إلى الانطلاق في العالم وشرح تعاليمه، فهو لم يطلب من الآخرين ترك دينهم والابتعاد عنه والتحوُّل إلى دينٍ جديد؛ لأنه لم يكن يسعى إلى تأسيس ديانته الخاصَّة، بل كان يحاول فقط مساعدة الآخرين في التغلب على البؤس والمعاناة التي تسببوا فيها نتيجة جهلهم. أما الأجيال اللاحقة من التابعين فوجدوا أسوة في بوذا أسوة ملهمة، فشاركوا الآخرين في استخدام أساليبه التي وجدوها مفيدة في حياتهم. هكذا انتقلت ما يُعرَف اليوم بـ"البوذيَّة" إلى جميع الأرجاء.

وتطوَّرت العملية في بعض الأحيان على نحو طبيعيٍّ، فعلى سبيل المثال عندما زار التجار البوذيُّون الأراضي المختلفة واستقرُّوا فيها، فنشأ بالطبع لدى بعض السكان اهتمام بمعتقدات هؤلاء الأجانب، كما حدث ذلك في مطلع الإسلام مع قدومه إلى إندونيسيا وماليزيا، حدث ذلك مع البوذيَّة في ولايات الواحات على طول طريق الحرير في آسيا الوسطى خلال القرنينِ السابقين واللاحقين للميلاد. وعندما عرف الحكَّام وأهل البلاد المزيد عن هذه الديانة الهنديَّة دعوا الرهبان من مناطق التجار الأصليَّة ليكونوا مستشارين أو معلِّمين، وهكذا اعتنقوا العقيدة البوذيَّة في نهاية المطاف، أمَّا الأسلوب الطبيعيُّ الآخر فكان من خلال الاستيعاب الثقافيِّ البطيء للشعب المحتلِّ، مثل اليونانيِّين داخل المجتمع البوذيِّ في جاندارا في باكستان الوسطى حاليًّا، وذلك خلال القرون اللاحقة للقرن الثاني ق.م.

ولكن الانتشار، في كثيرٍ من الأحيان، كان في الأصل نتيجةً لتأثير الملك القويِّ الذي اعتنق البوذيَّة ودعمَها بنفسه. ففي منتصف القرن الثالث ق.م. مثلاً انتشرت البوذيَّة عبر الهند الشمالية نتيجةً للتأييد الشخصيِّ من قبل الملك أشوكا، فهذا المؤسس العظيم للإمبراطوريَّة لم يُكرِه رعيَّته على اعتناق البوذيَّة، ولكنه دعا شعبه لاعتناق تعاليم بوذا بتعليق مرسومات منقوشة على أعمدة حديدية على امتداد مملكته، وفيها تعاليم تحثُّ الناسَ على ممارسة حياتهم اليومية ممارسة أخلاقية، واتبع هو نفسه هذه المبادئ.

كما دعا الملك أشوكا بنشاط بالغ إلى الديانة الجديدة خارج مملكته؛ وذلك من خلال إرسال البعثات إلى البلاد البعيدة، وأحيانًا دعوة الحكَّام الأجانب، مثل تيشيا ملك سيرلانكا، وفي أحيان أخرى يبادر بإرسال الرهبان مندوبين عنه، إلا أن هؤلاء الرهبان الزائرين لم يجبروا الآخرين على اعتناق ديانتهم، بل نشروا تعاليم بوذا فقط، تاركين الخيار للناس، والدليل على ذلك هو أنَّ البوذيَّة رسخت مبكرًا في مناطق مثل جنوب الهند وبورما الجنوبيَّة، بينما لا يوجد تسجيل تاريخيٌّ لأيِّ تأثيرٍ فوريٍّ في بلادٍ أخرى، مثل المستعمرات اليونانيَّة في آسيا الوسطى.

دعا الملوك المتديِّنون الآخرون مثل ألتان خان المنغولي في القرن السادس عشر معلِّمين بوذيِّين إلى مملكته، وجعل البوذيَّة الديانة الرسمية للبلد؛ حتى تؤدي إلى توحيد شعوبهم وتعزيز حُكمهم، وأثناء ذلك ربما حظروا تقاليد معيَّنة غير بوذيَّة تابعة لديانات محليَّة، بل إنهم اضطهدوا أتباعها، غير أنَّ هذه الخطوات القهرية كانت ذات دوافع سياسيَّة في المقام الأول، فلم يُرغِم الحكَّام الطموحون رعاياهم على اعتناق البوذية عقيدةً وعبادةً، فليس ذلك جزءًا من العقيدة الدينيَّة.

إذا كان شاكياموني بوذا قد طلب من الناسِ ألاَّ يقلدوا تعاليمه، بل يجب أن يتفكروا هم فيها جيِّدًا قبل قبولها، فإن عدد الناس الذين سيقبلون التعاليم البوذيَّة مُكرَهين من دعاةٍ متعصِّبين أو تحت مطارق الملوك المتعصبين لها سيكون قليلاً بالطبع. فمثلاً عندما حاول تويين نيجي في بداية القرن السادس عشر الميلاديِّ رشوة المغول الشرقيين الرُّحَّل لاعتناق البوذيَّة، من خلال تقديم قطيع ماشية لهم مقابل كلِّ آية يحفظونها، اشتكى الناس إلى السلطات العليا، ولكن هذا المعلم المتغطرس عُوقِب ونُفِيَ بعيدًا في نهاية الأمر


كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 FKU60921


شاهدوا هذا التقرير المصور , وهو فيلم وثائقي عن الديانة البوذية , بهذا الفيلم الوثائقي عن الديانة البوذية يتم الشرح بالتفصيل عن تاريخ الديانة البوذية وتعاليم الديانة البوذية الرائعة الفياضة بالحكمة .

هذا الفيلم من انتاج قناة الجزيرة الوثائقية


https://www.youtube.com/watch?v=luYdN7SLJ8c&feature=player_embedded

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/

كاتب الموضوعرسالة
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:00 pm

جاذبية البوذية في العالم الحديث


السؤال: لقد ذهبتَ هذا العام في جولة تدريسية إلى ست وعشرين دولة؛ من فضلك شاركنا ملاحظاتكم عن كيفية انتشار البوذية في مناطق جديدة.

الجواب: تنتشر البوذية بسرعة حول العالم الآن، فهناك مراكز بوذية في العديد من الدول الأوربية، وأمريكا الشمالية والجنوبية، وجنوب إفريقيا وأستراليا وغيرها. ونجد البوذيين في أوربا ليس في الدول الرأسمالية الغربية فقط، ولكن أيضًا في الدول الاشتراكية في الشرق. فعلى سبيل المثال، في بولندا قرابة خمسة آلاف بوذيٍّ نَشِط. وتجتذب البوذية كثيرًا العالمَ الحديث لمنطقيتها وعلميتها؛ وهو ما أكَّده بوذا فقال: "لا تؤمن بأي شيء أقولُه من باب احترامك لي، لكن اختبره بنفسك وحلِّلْه، وكأنك تبتاع ذهبًا." فعالم اليوم يحب الاتجاهات غير الدوجماتية التي لا تفرض رأيها بغطرسةٍ.

هناك حواراتٌ عديدة بين العلماء وزعماء البوذية، مثل صاحب القداسة الدالاي لاما. فهم يتناقشون معًا، ويبحثون عن الحقيقة. فقد قال بوذا: "إن كل المشكلات تنشأ من عدم فهم الحقيقة؛ من الالتباس في هذا الصدد، فلو أدركنا كُنْهنا، وكيف وُجِدْنا نحن والعالم فلن نخلق المشكلات النابعة من حيرتنا". والبوذية ذات اتجاهٍ منفتح للغاية في البحث عمَّا هو حقٌّ. فمثلاً ذكر قداسة الدالاي لاما أنه إذا ما برهن العلماء على خطأ شيءٍ ذكره بوذا أو أتباعُه، فإنه على استعدادٍ أن يُسقطَه من البوذية وبكل سرور. ومثل هذا الاتجاه جَذَّابٌ للغاية بالنسبة للغربيين.
ومنذ أنْ واءَم العلماءُ في الماضي بين البوذية وثقافة كل مجتمع انتشرت فيه، فمن الطبيعي أن يحتاج معلمو اليوم أن يقدِّموا البوذية في مختلف الدول الحديثة بطرائقَ مختلفة قليلاً. وبوجهٍ عامٍّ فإن البوذية تؤكد على التفسير العقلي داخل السياق، ومع هذا فإن نقاطًا واتجاهاتٍ مختلفة بحاجة إلى مزيدٍ من التأكيد اعتمادًا على السِّمات الثقافية السائدة.

درَّس بوذا مثلَ هذا التنوع في الأساليب ببساطة؛ لأن الناسَ تتباين كثيرًا؛ فليس الجميع يفكِّر بالطريقة نفسها. خذ مثلاً: الطعام؛ فلو كان هناك نوعٌ واحدٌ من الطعام موجود في مدينةٍ ما فلن يروقَ الجميعَ. ومن جهة أخرى، لو وُجِدت أطعمةٌ أخرى ذات نكهاتٍ مختلفةٍ فيمكن آنئذٍ للجميع أن يجد شيئًا ما يروقُه. وبالمثل فقد درَّس بوذا مستخدمًا مجموعةً متنوعة للغاية من الأساليب لتعليم الناس على اختلاف +مشاربهم لينموا أنفسَهم، ويطوِّروا فكرَهم. على أية حالٍ، فإن غايةَ البوذية هي التغلب على قيودِنا ومشكلاتنا وإدراك إمكاناتِنا؛ لنتمكن من تطويرِ أنفسنا إلى الدرجة التي يمكننا فيها مساعدة الجميع قدرَ الإمكان.

وفي بعض الدول الغربية التي تهتمُّ بعلم النفس، مثل سويسرا والولايات المتحدة، فعادةً ما يُقدِّم المعلمون البوذيةَ من وجهة نظر علم النفس. وفي دولٍ أخرى؛ حيث يفضل الناسُ اتجاهًا تعبُّديًّا، مثل العديد من المناطق الأوربية الجنوبية وأمريكا اللاتينية، يميل المعلمون إلى تقديم البوذية بطرقةٍ تعبُّديةٍ، فالناس هناك يميلون كثيرًا إلى الإنشاد، ويمكن للمرء أن يفعلَ ذلك في ممارسةٍ بوذية. ومع ذلك فالناس في شمال أوربا لا يستمتعون كثيرًا بالإنشاد؛ لذا يميل المعلمون إلى الاهتمام بالنهج العقلاني للبوذية هناك.
العديد من الناس في أوربا الشرقية تروقهم التعاليم البوذية بدرجةٍ كبيرةٍ؛ فهم يعيشون حياة كئيبة؛ لأن العديد منهم يعيش حالة من الفراغ، وسواء أكانوا يعملون بجد في وظائفهم أم لا فلا يبدو الأمرُ مختلفًا. فهم لا يرون أيَّة نتيجةٍ، وعلى النقيض من ذلك فالبوذية تعلمهم طرائقَ +ليجاهدوا أنفسَهم، وهذا يؤتي أكُلَهُ بوجود الفَرْق في نوعية حياتهم. هذا يجعل الناسَ مُقدِّرين ومتحمِّسين لوضع أنفسهم تمامًا في ممارسات معينة، مثل السجود آلاف السجدات.

وبهذه الطريقة تُكيِّف البوذيةُ نفسَها مع ثقافة الناس وعقلياتهم في كل مجتمع، بينما تحافظ على التعاليم الرئيسة للبوذية، تلك التعاليم التي لا تتغير، فالهدف هو التغلب على مشكلاتنا وقيودنا وإدراك قدراتنا. وسواء أكان الممارسون يفعلون ذلك باهتمام أكبر على النهج التعبدي أم العلمي أم العقلاني أم النفسي، فإن ذلك يعتمد على الثقافة.

السؤال: كيف تتكيَّف البوذيةُ مع القرن العشرين بوجهٍ عامٍّ ؟

الجواب: تتكيف البوذيةُ بالتأكيد على نهجٍ علمي عقلاني لتعاليمها، فالبوذية تعطي تفسيرًا واضحًا لكيفية اكتساب خبرات الحياة، وكيفية التعامل معها بأفضل طريقة ممكنة. ثم هي تدعوك لعدم تقبُّل أيَّ شيءٍ بإيمان أعمى؛ فقط فكِّر بنفسك، اختبر بنفسك، وانظر إذا كان حقًّا ويؤدي معنى أم لا. وهذا الأمر يشابه الأسلوب العلمي، وهو يطالبنا بالتثبت من نتائج تجربة عن طريق إجرائها بأنفسنا، وعندها فقط نقبل بالنتائج حقيقةً. فالناس في العصر الحديث لا يحبون شراء شيءٍ قبل فحصه، فلن يشتروا سيارة دون تجربتها. وبالمثل فلن يتحولوا إلى دينٍ آخر دون التثبت منه أولاً، وهل يعطي معنًى لحياتهم أم لا. وهذا ما يجعل البوذيةَ تجتذب العديد من الناس في القرن العشرين؛ فالبوذية منفتحة على البحث العلمي، وتدعو الناسَ لفحصها بهذه الطريقة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:04 pm

أسئلة أساسية عن الكارما وإعادة الميلاد

سؤال: هل نظرية الكارما تجريبية وعلمية، أم هي مقبولة اعتمادًا على الإيمان؟

الجواب: فكرة الكارما تعطي معنًى من نواحٍ عديدةٍ، فبعض الناس يعتقدون أن الكارما تعني القَدَر أو المصير؛ فلو أن شخصًا صدمته سيارة، أو فقد مالاً كثيرًا في مشروعٍ ما، فإنهم يقولون: "حسنًا، حظٌّ سيِّئ، هذه هي الكارما الخاصة بهم." وليست هذه هي الفكرة البوذية عن الكارما، وإنما هي في الحقيقة أقرب إلى إرادة الله، وهو شيءٌ ما لا نفهمه، أو لا سيطرةَ لنا عليه.

في البوذية تشير الكارما إلى الدوافع، وتنشأ الدوافع فِينَا اعتمادًا على الخبرات السابقة لتتصرف بطرق معينة الآن. وتشير الكارما إلى الدافع الذي يتبادر إلى ذهن الإنسان للاستثمار في البورصة قبل يومٍ من انهيارها، أو قبل أن ترتفعَ قيمتُها، أو قد يكون لدى إنسان الدافع لعبور الشارع تمامًا في اللحظة التي تصدمه سيارةٌ، وليس قبل ذلك، أو بعده بخمس دقائق.

نشأة الدافع في هذه اللحظة تمامًا هو نتيجة بعض الأفعال السابقة التي فعلها الإنسان في حياةٍ سابقة، فعلى سبيل المثال، ربما يكون هذا الشخص قد عَذَّب أو قَتَل إنسانًا، مثل هذا الفعل العدواني ينتج عنه أن مقترفَ الجريمةِ يعيشُ عُمرًا قصيرًا أيضًا ربما في حياةٍ أخرى. وهكذا نَشَأ الدافع لعبور الطريق في اللحظة نفسها التي تصدمه فيها سيارةٌ.

قد يكون لدى الشخص دافعٌ لأنْ يصرخَ، أو يؤذي شخصًا آخر، ويأتي هذا الدافع من عاداتٍ تراكمتْ بسلوكٍ مشابهٍ سابقٍ؛ فالصراخ أو إيذاء الآخرين يُنشئُ احتماليةً وميلاً وعادةً نحو هذا النوع من السلوك؛ لكي يمكننا في المستقبل فِعلُها ثانية بسهولة. الصراخ بغضبٍ يُنشئُ أكثر من ذلك احتماليةً وميلاً وعادةً للتسبب في مشهدٍ غاضبٍ مرةً ثانيةً.

مثالٌ آخر: هو تدخين سيجارة؛ فتدخين سيجارة واحدة هو احتمالٌ لتدخين سيجارة أخرى، وهو أيضًا يُنشِئُ ميلاً نحوَ عادةِ التدخين. ونتيجةً لذلك فحينما تكون الظروف مواتية - إما في هذه الحياة حينما يَعرِض شخصٌ ما علينا سيجارة، أو في حياة مستقبلية، حينما كنا أطفالاً ونرى الناس يدخنون - يأتي الهاجس في عقولنا للتدخين ونفعله.

إن الكارما تُفسِّر من أين أتى هذا الهاجس، فالتدخين لا يوجد فقط دافعًا عقليًّا لتكرار الفعل، لكنه أيضًا يُؤثِّر على الدوافع المادية داخل الجسم. فعلى سبيل المثال، إصابة المرء بالسرطان نتيجة التدخين. ففكرة الكارما تعطي معنًى كبيرًا؛ إذ إنها تفسر من أين أتت دوافعنا.

سؤال: هل يمكن للكارما أن تحدد سَلَفًا تلقِّي المرء وفَهْمَه للبوذية؟

الجواب: هناك فارق كبير بين كون شيءٍ ما يُحدَّد سلفًا، وكونِه يمكن تفسيرُه. فتلقِّينا وفهمُنا للبوذية يمكن تفسيره بالكارما؛ بمعنى أننا أكثر تلقيًا للتعاليم الآن؛ نتيجةً لدراستنا وممارستنا في دورات حياة سابقة. فلو كان لدينا فهمٌ جيدٌ للتعاليم في الماضي فعندئذٍ، وبصورة غريزية، سيكون لدينا فهمٌ جيد في دورة الحياة هذه، أو لو كان لدينا تشويش كبير في دورات الحياة السابقة فإن التشويش سيُؤجَّل إلى هذه الحياة.

ومع ذلك، فإن الأشياء - طِبقًا للبوذية - ليست مُقدَّرة سَلفًا، فليس هناك قَدَرٌ أو مصيرٌ. فحينما تُفسَّرُ الكارما باعتبارها دوافع فإن ذلك يعني أن الدوافع هي أشياء يمكننا اختيار العمل بها أو لا، وذلك اعتمادًا على الأفعال التي عملناها في هذه الحياة وفي السابق، ويمكننا أن نفسِّر أو نتنبأ بما قد يحدُث في المستقبل.

نحن نعرف أن الأعمالَ البنَّاءة تجلب نتائج سعيدة، والأعمال الهدَّامة تجلب نتائجَ غير مرغوب فيها، ومع ذلك فكيفية نُضْج عمل كارمي سوف تعتمد على عواملَ عديدةٍ، وهكذا فالعديد من الأشياء يمكنها التأثير عليه. ومثال ذلك: لو ألقَينا كرة لأعلى في الهواء يمكننا التنبؤ بأنها ستهبط. وبالمثل يمكننا التنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل، اعتمادًا على الأفعال السابقة.

ومع ذلك، فلو أمسكنا بالكرة فلن تقع، وبالمثل بينما يمكننا التنبؤ من أفعالٍ سابقة بما سيحدث في المستقبل فهو ليس مطلقًا أو حَتْمًا، أو إنه منقوشٌ على الحجر أن هذه النتيجة هي التي ستحدث فقط؛ فهناك ميولٌ أخرى، وأفعال وظروف، إلخ، يمكنها التأثير على إنضاج الكارما.

حينما يأتي خاطرٌ في عقولنا لِنفعل فعلاً ما فلدينا الاختيار؛ فنحن لسنا كالأطفال الصغار، الذين يُنفِّذون أيَّ خاطر يخطُر ببالهم. وعلى أية حال فقد تعلَّمنا أن نكون مدرَّبين على دلا إله إلا الله محمد رسول الله الخلاء؛ فنحن لا ننفِّذ فورًا أي خاطر ينشأ.

الشيءِ ذاته ينطبق عليك إذا اندفعتَ فقلتَ شيئًا ما قد يؤذي الآخرين، أو أن تفعل شيئًا قاسيًا. وحينما يأتي مثل هذا الخاطر إلى أذهاننا يمكننا أن نختار: "هل سأضعه موضعَ التنفيذ، أم أمتنع عن التصرف بناءً عليه؟" هذه القدرة على التأمُّل والتمييز بين الأفعال البنَّاءة والأفعال المدمِّرة هي ما يُميِّز الإنسان عن الحيوان؛ وهذه هي المزية العظمى لكونك إنسانًا.

وهكذا، يمكننا اختيار ما الذي سنفعله، اعتمادًا على وجود مساحة في عقولنا للانتباه للخواطر الناجمة. وكثيرٌ من التدريب البوذي متضمنٌ في تطويرِ الانتباه، فكلما تأنَّيْنا وتمهَّلْنا أصبحنا أكثر إدراكًا لما نفكر فيه، وما سنقوله، أو نفعله.

التأمل في النَّفَس، الذي فيه نلاحظ الزفير والشهيق، يُعطينا فراغًا لنكون قادرين على ملاحظة الخواطر حالَ نشأتها. فنبدأ بالملاحظة: "لديَّ هذا الخاطر لأن أقول شيئًا ما سوف يؤذي شخصًا ما، فإذا قلتُه فسوف يُسبِّب صعوباتٍ، لذا فلن أقولَه." بمقدورنا الاختيار؛ إذ إننا لو لم ننتبه فسيكون لدينا اندفاعٌ في الأفكار والخواطر، لدرجة أننا لا نأخذ الفرصة لنختار بحكمة. فنحن نضع خواطرنا موضع التنفيذ فقط، وهذا غالبًا ما يسبب لنا مشكلاتٍ جمَّةً في حياتِنا.

وهكذا لا يمكننا القول إن كل شيء - مثل فهمنا وتلقينا للدارما - هو مُقدَّرٌ سلفًا، فيمكننا التنبؤ به، لكن أيضًا لدينا الفضاء الواسع لنستطيع تغييره.

سؤال: هل أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى يمرُّون بالكارما؟

الجواب: نعم، ليس شرطًا أن يؤمن المرءُ بالكارما حتى يعايشَها، فلو ضربنا الأرض بأقدامنا بشدة فلا يجب أن نؤمن بالسبب والنتيجة حتى نشعرَ بالألم، حتى لو اعتقدنا أن السُّمَّ شرابٌ لذيذٌ، فحينما نحتسيه نمرض. وبالمثل، فلو تصرفنا بطريقةٍ معينةٍ فنتيجة هذا التصرف ستحدثُ، سواء اعتقدنا في السبب والنتيجة أم لا.

سؤال: هل أنا استمرارٌ لشخصٍ آخر عاش قبلي؟ وهل النظرية البوذية للولادة الجديدة نظرية ميتافيزيقية أم نظرية علمية؟ وقد ذكرتَ أن البوذية منطقية وعلمية، فهل هذا ينطبق على الولادة الجديدة أيضًا؟

الجواب: هناك نقاطٌ عديدة هنا، أولاً كيف نُثبِت أن شيئًا ما علمي؟ وهذا يتولَّد عنه التالي: كيف نعرف الأشياء بطريقةٍ صالحةٍ؟ طِبقًا للتعاليم البوذية يمكن معرفة الأشياء معرفةً صحيحةً بطريقتين: بالإدراك المباشر، وبالاستدلال.

فعن طريق إجراء تجربة في معمل يمكننا التثبت من وجود شيء ما من خلال الإدراك المباشر؛ فنحن نعرفها ببساطة من خلال حواسنا. ومع ذلك فبعض الأشياء لا يمكننا معرفتُها الآن بالإدراك المباشر، ولا بد أن نعتمد على العقل والمنطق والاستدلال. فالولادة الجديدة أمرٌ يتعذَّر إثباتُه جدًّا عن طريق الإدراك الحسي المباشر، رغم أن هناك قصةً عن عالم بوذي منذ وقتٍ طويل مضى في الهند مات، ثم ولد مرة أخرى، وعندئذٍ قال: "ها أنا ذا مرة ثانية." ليبين للمَلِك أن الولادة الجديدة موجودة. وهناك أمثلة عديدة لأناسٍ يتذكرون حياتَهم الماضية، ويمكنهم التعرف على متعلقاتهم الشخصية، أو أناس عرفوهم قبل ذلك.

وإذا وضعنا تلك القصص جانبًا فهناك المنطق المجرَّد للولادة الجديدة، فقد ذكر قداسة الدالاي لاما أنه إذا لم تتوافق نقاط معينة مع الواقع فهو على استعدادٍ لاستبعادها من البوذية. وهذا ينطبق أيضًا على الولادة الجديدة، وحقيقةً لقد صرَّح بهذا البيان أصلاً في هذا السياق، فلو استطاع العلماء أن يثبتوا أن الولادة الجديدة غير موجودة فساعتَها يجب علينا أن نتوقَّف عن الاعتقاد بأنها حقيقة.

ومع ذلك، إذا لم يستطع العلماء إثبات خطأها فذلك لأنهم يتبعون المنطق والطريقة العلمية، التي تنفتح على فهم الأشياء الجديدة، ويجب عليهم استقصاء وجودها من عدمه، ولذا فسيكون عليهم أن يثبتوا عدم وجودها؛ لكي يبرهنوا على عدم وجود الولادة الجديدة، فمجرد القول إن" الولادة الجديدة (إعادة الميلاد) غير موجودة؛ لأنني لا أراها بعيني" ليس إثباتًا لعدم وجودها، فهناك أشياء عديدة موجودة، ولا نستطيع رؤيتُها بأعيننا.

ولو لم يستطع العلماء إثبات عدم وجود الولادة الجديدة فإنه خليق بهم آنئذٍ أن يستقصوا هل الولادة الجديدة موجودةً أم لا، الطريقة العلمية هي أن تفترض نظريةً معتمدة على بياناتٍ معينة، ثم تختبر هل من الممكن إثبات صلاحيتها، ولهذا فنحن ننظر إلى البيانات.

فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن الأطفال لا يُولَدون مثل شرائط كاسيت فارغة، فلديهم عادات معيَّنة وسمات شخصية يمكن ملاحظتُها، حتى وهم صغار جدًّا. فمِن أين تأتي هذه العادات وتلك السمات؟

ليس هناك معنى لأن نقول: إنها تأتي فقط من الاستمرارية السابقة للموادِ الطبيعيةِ للآباء، أي من الحيوان المنويِّ والبويضة؛ إذ ليس كل حيوان منوي وبويضة يلتقيان في الرحم يصبحان جنينًا. ما الذي يجعل الفرق بين الحالتين: حينما يصبحان طفلاً، وحينما لا يصبحان كذلك؟ ما الذي يسبب فعلاً العادات والغرائز المتباينة لدى الطفل؟ يمكن القول إنه الحمض النووي والجينات، وهذا هو الجانب المادي. لا أحد ينكر أن هذا هو المظهر المادي لكيفية خلق الطفل، ورغم ذلك، ماذا عن جانب الخبرة والتجربة؟ كيف نبرر العقل؟

الكلمة الإنجليزية mind لا تعطي المعنى نفسه الذي يعطيه المصطلحان السنسكريتي والتبتي اللذان يفترض ترجمتهما. ففي اللغات الأصلية يشير "العقل" إلى النشاط الذهني، أو الأحداث الذهنية، أكثر من إشارته لشيءٍ ما يفعل هذا النشاط.

فالنشاط أو الحدث هو النشأة المعرفية لأشياء معينة - أفكار ومشاهد وأصوات وانفعالات ومشاعر، وهلم جرًّا - والمشاركة المعرفية معها، برؤيتها وسماعها وفهمها، بل حتى عدم فهمها. هذان المَعْلَمان المميزان للعقل، وعادة ما يُترجمان: "وضوح"، و"إدراك"، غير أن الكلمتين الإنجليزيتين "clarity" و"awareness" أيضًا خادعتان.

من أين يأتي هذا النشاط العقلي لنشأة الأشياء المعرفية والمشاركة فيها في كائن مُتفرِّد؟ هنا نحن لا نتحدث عن المصدر الذي أتى منه الجسد؛ إذ إنه من الواضح أنه مِن الأبوين. ونحن لا نتحدث عن الذكاء وغيره؛ لأننا أيضًا يمكن أن نتعلَّل بأن هناك أساسًا جينيًّا لذلك. ومع ذلك فمن باب المبالغة أن نقول: إن تفضيلَ شخصٍ للآيس كريم بالشيكولاته يأتي من جيناته الوراثية.

يمكننا القول إن بعض اهتماماتنا قد تتأثر بعائلاتنا، أو بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي نحن فيه، وهذه العوامل قطعًا لها تأثير، لكنه من الصعب أن نفسر بصورة مطلقة كلَّ شيءٍ نفعله بهذه الطريقة. فعلى سبيل المثال، عندما كنت مهتمًّا باليوغا وأنا طفل فلم يكن أحد من أسرتي أو من المجتمع من حولي كذلك، ولكن كان هناك بعض الكتب موجودة في المنطقة التي عشتُ فيها، لذا يمكنك القول إنه كان هناك تأثير للمجتمع، لكن لماذا كنت مهتمًّا بهذا الكتاب خاصة عن الهاثا يوغا؟ لماذا التقطتُهُ؟ هذا سؤالٌ آخر.

ولنضع كل هذه الأشياء جانبًا، ولنعد إلى السؤال الرئيس: من أين يأتي هذا النشاط العقلي لنشأة الأشياء المعرفية والمشاركة المعرفية فيها؟ من أين تأتي هذه القدرة على الإدراك؟ من أين تأتي شرارة الحياة؟ ما الذي يجعل هذا التمازُج للحيوان المنوي والبويضة ذا حياة؟ ما الذي يجعله إنسانًا؟ ما الشيء الذي يُتاح بنشأة الأشياء؛ مثل الأفكار والمشاهد؟ وما الذي يسبب المشاركة المعرفية فيها؟ ما الجانب التجريبي للنشاط الكيميائي الكهربائي للمخ؟

من الصعب القول بأن النشاط العقلي لرضيعٍ يأتي من والديه؛ لأنه لو كان كذلك فكيف يتأتَّى من والديه؟ يجب أن يكون هناك آلية مشاركة. هل شرارة الحياة - التي تتسم بإدراك الأشياء - تأتي من الأبوين بطريقة الحيوان المنوي نفسها مع البويضة؟ هل تأتي مع النشوة، أم تأتي مع التبويض؟ هل هو الحيوان المنوي، أم هي البويضة؟ إذا لم نستطع أن نصل إلى دلالة علمية منطقية لموعد إتيانها من الوالدين فعلينا حينئذٍ أن نبحثَ عن حلٍّ آخَرَ.

إذا نظرنا بالمنطق المحض نجد أن الظواهر الطبيعية الوظيفية كلها تأتي من استمراريتها هي، أي من لحظاتٍ سابقة لشيء ما في تصنيف الظاهرة نفسه. فعلى سبيل المثال، الظاهرة الطبيعية الفيزيقية - مثل المادة أو الطاقة - تأتي من اللحظة السابقة لهذه المادة أو الطاقة، فهي سلسلة.

خذ الغضب مثالاً؛ يمكننا الحديث عن الطاقة الفيزيقية التي نشعر بها حينما نغضب، هذا أمرٌ، ومع ذلك اعتبر النشاط الذهني للشعور بالغضب هو الشعور بنشأة الانفعال والإدراك الواعي أو غير الواعي له. إن شعورَ المرء بالغضب له لحظاته السابقة الخاصة من الاستمرار داخل الحياة الحالية، لكن من أين أتت قبل ذلك؟ إما أنها أتت من الوالدين، ولا يبدو أن هناك آلية لوصف كيفية حدوث ذلك، أو أنها تأتي من إلهٍ خالقٍ.

ورغم ذلك، فبالنسبة لبعض الناس التناقض المنطقي في تفسير كيفية خَلْق كائن قدير يسبب مشكلة، ولتحاشي هذه المشكلات فإن البديل هو أن اللحظةَ الأولى للغضب في حياة أي إنسان تأتي من لحظتها السابقة الخاصة في السلسلة، ونظرية الولادة الجديدة تفسر هذا تمامًا.

ربما نحاول فهم الولادة الجديدة بتشبيهها بالسينما؛ فكما أن السينما استمرارٌ لإطارات الفيلم، فإن مسارنا الذهني أو تيار العقل هما استمرارٌ للحظات المتغيرة دومًا من إدراك الظواهر الطبيعية خلال الحياة، ومن حياةٍ إلى أخرى. ليس هناك هُوية صلبة يمكن العثور عليها؛ مثل "أنا"، أو "عقلي" الذي يُعاد ولادتُه.

فإعادة الميلاد ليست لا تشبه تمثالاً صغيرًا يجلس على حزام التوصيل، متنقلاً من حياة إلى أخرى. وبالأحرى هو مثل السينما، شيء ما يتغير باستمرار، وكلُّ صورة مختلفةٌ، لكن هناك استمرارية فيها، فالصورة تتعلق بلاحقتها.

وبالمثل، هناك استمرارية للحظات إدراك الظواهر الطبيعية، حتى لو بعض هذه اللحظات غير واعية. وعلاوة على ذلك، فكما أن كل الأفلام ليست الفيلم ذاته، وعلى الرغم من أنها كلها أفلام، فكل المسارات العقلية أو"العقول" ليست عقلاً واحدًا. هناك عددٌ لا يحصَى من التيارات الفردية لتواصل إدراك الظواهر الطبيعية.

هذه هي الحُجَجُ التي نبدأ بها لنفحص من وجهة نظر علمية وعقلانية، إذا كانت النظرية تعطي معنى منطقيًّا فعندئذٍ يمكننا النظر بجديةٍ أكثر في حقيقة أن هناك أناسًا يتذكرون حياتهم السابقة، وبهذه الطريقة نفحص ونستقصي وجود إعادة الميلاد من النهج العلمي.

سؤال: تقول البوذية إنه ليس هناك روح ولا نَفْس. إذن ما الذي يُولَد مرة أخرى؟

الجواب: مرة ثانية، مَثَلُ إعادة الميلاد ليس كبعض الروح، بل مِثْل تمثال أو شخص صغير حِسي، يسافر على حزام ناقلٍ من حياة إلى أخرى، ويمثل حزام التوصيل الزمن، والصورة التي تدل عليه إنما هي لشيءٍ راسخٍ، أو لشخصية ثابتة، أو روح تسمى "الأنا" تمر عبر الزمن: "الآن أنا صغير، الآن أنا كبير، الآن أنا في هذه الحياة، الآن أنا في تلك الحياة." ليس هذا هو المفهومَ البوذي لإعادة الميلاد. وبالأحرى الأمر يُشبهُ فيلمًا سينمائيًّا، فهناك استمرارية مع الفيلم السينمائي، فالصورُ تُكَوِّنُ استمراريةً وتواصلاً.

ولا تقول البوذية إنني أصبحتُ إياك، أو إننا أصبحنا واحدًا؛ إذ لو كنا واحدًا، وأنا أنت، فعندئذٍ لو جاع كلانا فيمكنك أن تنتظر في السيارة، بينما أذهب أنا لآكُل. ولكن الأمر ليس كذلك، فلكِلَيْنا تيارات التواصل الخاصة بكلٍّ منا، وتتابع الفيلم الخاص بي لن يتحول إلى الفيلم الخاص بك، لكن حياتنا تتقدم مثل الأفلام، بمعنى أنها ليست صلبة ثابتة، فالحياة تستمر، وتسير من صورة إلى أخرى، إنها تتبع نَسَقًا طبقًا للكارما، وهكذا تُشكِّلُ استمراريةً. `

سؤال: كيف تُخَزَّنُ الخواطرُ المتباينة في العقل، وكيف تنشأ؟

الجواب: إنه أمرٌ معقَّدٌ قليلاً، فنحن نتعامل بطريقةٍ معينة. فعلى سبيل المثال، نحن نُدخِّن سيجارة؛ لأن هناك طاقة متضمنة في تدخين سيجارة، وهذا الفعل يعمل إمكانيةً أو قوةً لتدخين سيجارة أخرى، فهناك طاقة هائلة، وهي تنتهي حينما ينتهي الفعل، لكن هناك أيضًا طاقة لطيفة، وهي الطاقة المحتملة لتكرار الحدث.

هذه الطاقة الخفية لاحتمالية التدخين تُحمَل إلى جانب الطاقة الألطف، التي تصاحب العقل الألطف، الذي يسير من حياة إلى أخرى. وفي أسلسِ عبارةٍ: يشير العقلُ الألطفُ إلى المستوى الألطف من النشاط الخيري والإدراك، بينما الطاقة الألطف تشير إلى الطاقة اللطيفة الداعمة للحياة التي تدعم هذا النشاط، وهما معًا يُكوِّنان ما يمكن أن نطلق عليه "شرارة الحياة"، وهما اللذان ينتقلان من حياة إلى أخرى. فالاستعدادات الكارمية تنتقلُ معًا مع شرارة الحياة.

الميول والعادات تنتقل أيضًا، لكنها ليست مادية، فما العادة؟ على سبيل المثال، لدينا عادة شرب الشاي، فقد شربْنا شايًا هذا الصباح، وصباح أمس، والأيام السابقة، فالعادة ليست كوبًا حقيقيًّا من الشاي؛ وليست أمرًا من عقولنا :"اشرب شايًا." إنها فقط تتابع لأحداث متشابهة - ألا وهي شُرب الشاي مراتٍ عديدة، واعتمادًا على هذا النسق - بوصفه طريقةً للتحدث - نحن نقول أو" ننسب" أن هناك عادة لشرب الشاي، ونسمي هذا النسق "عادة شرب الشاي". فالعادة ليست شيئًا ماديًّا، لكنها شيءٌ مجرَّد، وهي تتركَّب من طريقة الحديث عن نسق لأحداث متشابهة. واعتمادًا على ذلك يمكننا التنبؤ بأن شيئًا مشابهًا سوف يحدث في المستقبل.

أمرٌ مشابه حينما نتحدث عن العادات والغرائز والميول في استمراريتها إلى المستقبل، فليس هناك شيء مادي يُحمَل. ومع هذا، وعلى أساس لحظات المسار الذهني، يمكننا القول بأن هناك حالات مشابهة في هذا الوقت، ولهذا سيكون هناك حالات مشابهة في المستقبل.

سؤال: لو كانت الحياة تتضمن نقلَ الإدراك فهل هناك أي بداية؟

الجواب: حسب تعاليم البوذية ليس هناك بداية، فالبداية غير منطقية، واستمرار المادة والطاقة والعقول الفردية يكون بلا ابتداء؛ إذ لو كانت لهم بداية فمن أين تأتي هذه البداية؟ وماذا كان قبل البداية؟

بعض الناس يقولون: "نحن بحاجة إلى بداية، لهذا فالله خَلَق كل شيء." فهم يؤمنون بإلهٍ خالقٍ، له أسماء مختلفة باختلاف الأديان. ولكن السؤال الذي سيطرحه البوذي: من أين أتى الإله؟ هل الإله له بداية؟ فإما أن يجيبوا بأن الإله لا بدايةَ له، وآنئذٍ سيقول المناظر البوذي: هنا لا بداية. أو أنهم سيشيرون إلى شيء ما أو شخصٍ ما خَلَق الإله، وهو ما يناقض إيمانهم.

يقول الملحد: لا إله، وكل شيء جاء من عدم، فالكون نشأ من العدم، وأفكارنا أتت من عدم. وعندئذٍ نسأل: من أين أتى هذا العدم؟ سيقولون: "هذا العدم حولنا دومًا، فهناك دائما عدم، وهو لا بداية له. لذا نرجع ثانية إلى اللابداية، وبغض النظر عن أي إجابة فسنأتي ثانيةً لنقطة عدم الابتداء.

لو كان عدم الابتداء هو النتيجة المنطقية الوحيدة التي يمكننا الوصول إليها فيمكننا أن نتساءل: هل من الممكن لشيء ما يؤدي وظيفةً أن يأتي من العدم؟ وكيف لشيء غير موجود أن ينتج شيئًا؟ هذا يبدو هراء؛ فإن الأشياء يجب أن يكون لها أسباب، هل التفسير الآخر الخاص بوجود خالق يعطي معنًى؟

نحن نحتاج إلى أن نختبر هذا التأكيد بدقة أكثر. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك كائن قدير، أو حتى لو اعتبرنا أن نظرية الانفجار الكبير الفيزيقية المحضة خلقتْ كلَّ شيءٍ، فهل حدث الخَلْق عند نقطة معينة بسبب تأثير الدافعية، أو الهدف، أو الظروف؟ إذا كان الأمر كذلك إذن فما الذي أثَّر على خَلْق كل شيء وُجِدَ قبل خلق كل شيء، وهذا هراء. إذا كان الخالق رحيمًا، وهو الأول بلا بداية، فكيف أوجد هذا الخالق الرحمة؟ فهي موجودة بالفعل.

البديل الثالث الذي ينبغي اعتبارُهُ هو: هل الأشياء تستمر دون بداية؟ هذا هو نهجٌ علمي يتوافق كثيرًا مع فكرة أن المادة لم تُخلَق أو تفنى، لكنها فقط تتحوَّل، وهو الشيء نفسه مع الأفكار الفردية، فليس هناك بداية لها، وكل شيء يتحول بتبعيةٍ، بسبب الأسباب والظروف.

سؤال: أخبر بوذا أتباعه أنه الإله، فإذا كان هذا هو الحال فما دور الصلاة في البوذية؟

الجواب: القضية الأساسية فيما يتعلق بالصلاة هو أن نسأل: "هل من الممكن لشخصٍ آخر أن يقضي على معاناتنا ومشكلاتنا؟ لقد قال بوذا: إنه ليس هناك شخصٌ يمكنه أن يزيل معاناتنا بالطريقة نفسها التي يمسك بها شخصٌ أرنبًا من أذنيه، ويجذبه بعيدًا عن موقفٍ صعب. هذا مستحيل، لا بد أن نأخذ زمام المسئولية بأنفسنا عما يحدث لنا، ولهذا لو رغبنا في إيجاد أسباب السعادة، وتجنُّب أسباب الشقاء، نحتاج إلى اتِّباع الأخلاق النقيَّة، وإذا أردنا لحياتنا أن تتحسن فعلينا أن نُغيِّرَ سلوكياتنا واتجاهاتنا؛ لكي نؤثِّر على ما سيحدث في المستقبل.

حينما نصلي في البوذية فنحن لا نقول هكذا: "بوذا، من فضلك، أريد سيارة مرسيدس!" لا أحد في السماء يمكنه أن يمنحنا إياها، بل بالصلاة نحن نؤسِّس رغبةً قويةً لحدوث شيء ما، فاتجاهاتنا وأفعالنا تجعله يحدث، لكن رغم ذلك يمكن لبوذا والبوديساتفات أن يُلهِمونا.

أحيانًا مصطلح "يلهم" يُترجم بـ: "يُنعم"، لكن هذه ترجمة ركيكة جدًّا. يمكن للبوذات والبوديساتفات أن يلهمونا بمُثُلِهِم، ويمكن أن يعلمونا أو يبينوا لنا الطريق، لكن يجب علينا أن نفعل ذلك أنفسنا. وكما يقول المثل: "يمكنك أن تقودَ حصانًا إلى مورد الماء، لكنك لا تستطيع أن تشربَ نيابةً عنه." فعلى الحصان أن يشرب بنفسه.

وبالمثل نحن بحاجة إلى أن نتبع الطريق بأنفسنا، وكذلك نكتسب بأنفسنا تحقيق أهدافنا التي تُوقِف مشكلاتنا، ولا نستطيع أن نحمل كائنًا خارجيًّا، قادرًا وقاهرًا، هذه المسئولية، ونحن نفكر: "أنت قوي؛ افعل هذا الشيء لي، فأنا أُسَلِّمُ نفسي لك." بل بالأحرى في البوذية نحن ننظر إلى البوذات من أجل الإلهام ليرفَعونا بمُثُلِهم، فمن خلال إلهامهم وتعاليمهم يساعدوننا ويرشدوننا. ومع ذلك فنحن بحاجة إلى تطوير الممكن من جانبنا لنتلقى إلهامهم، فالعمل الأساسي ينبغي علينا فِعْله بأنفسنا.

كثيرٌ من سوء الفهم حيال البوذية ينشأ بسبب سوء ترجمة المصطلحات والمفاهيم البوذية إلى الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى. فعلى سبيل المثال، معظم مصطلحات الترجمة المستخدمة في ترجمة البوذية إلى الإنجليزية قد صاغها واضعو المعجم البوذي في القرن الماضي، أو حتى قبل ذلك.

وهؤلاء الباحثون الأوائل غالبًا ما أتوا من خلفية الإرساليات النصرانية أو الفيكتورية، واختاروا مفرداتٍ لُغَويةً ومصطلحاتٍ نتجت عن ثقافتهم الخاصة، معظم الكلمات التي اختاروها - مع ذلك - لا تَنقُل بدقة المعاني المقصودة في البوذية، وحينما نقرأ هذه الكلمات نظن أنها تعني الشيء نفسه كما في بيئة نصرانية أو فيكتورية (مرتبطة بعصر الملكة فيكتوريا)، بينما هي في الحقيقة لا تعني ذلك.

من أمثلة ذلك كلمات مثل: نعمة، خطيئة، فاضل، غير فاضل، اعتراف، إلخ. في النصرانية هذه الكلمات لها دلالة من نوعٍ ما على الحكم الأخلاقي، والثواب والعقاب. ومع ذلك فالمفهوم البوذي ليس كذلك على الإطلاق. والشيء نفسه بالنسبة لكلمة "نعمة". هذه الكلمات أتت من خلفية ثقافية مختلفة، ولهذا ففي دراسة البوذية يُعَدُّ أمرًا مُهمًّا جِدًّا أن نُزِيل هذا الخلط الثقافي الذي استخدمه المترجمون الأوائل قدر استطاعتنا، فقد كانوا الرواد العظام للدراسات البوذية، ونحن بحاجة لأن نشكرهم على مجهوداتهم الهائلة. ومع ذلك فنحن الآن بحاجة للرجوع مرة ثانية إلى الغات الأصلية للنصوص، ونفهم المفاهيم البوذية بتعريفاتها في تلك اللغات، ونضعها في كلماتٍ أو عباراتٍ إنجليزية تتوافق مع معانيها.

سؤال: ماذا تقول البوذية عن نظرية النشوء لدارون؟

الجواب: نظرية دارون تتناول نشوء أجسام محتملة، ويمكن للأفكار أن تأخذ إعادة الميلاد عبر حِقَب عديدة من تاريخ الأرض، فهي لا تصف نشأة أجساد سوف يتخذها الفكر الفردي في دورات حياة لاحقة. هناك فارق كبير بين أشكال الحياة المادية الفعلية على هذا الكوكب، واستمرارية تيارات العقل التي تُعاد ولادتها فيها.

بعض التفسيرات عن النشوء في النصوص البوذية قد تبدو غريبةً إلى حدٍّ ما؛ فهي تتحدث عن أشياء كانت في موقف أحسن منا في الماضي، ثم تدهورت. وسواء كان هذا حقيقيًّا أم لا فهذا يحتاج إلى استقصاء.

فليس كل شيء عَلَّمه بوذا وأتباعه يمكن التثبت منه علميًّا، والأشياء التي لا نستطيع إثباتها علميًّا، فإن قداسة الدالاي لاما راغب في أن ينحيها جانبًا. وقد يكون السادة المعلمون قد أعطوا تفسيراتٍ غريبة ظاهريًّا لأسباب معينة، ولم يقصدوا بها أن تُفهَم حَرفيًّا، فهي ربما تشير إلى حقائقَ نفسية أو اجتماعية مختلفة.

ورغم ذلك، فداخل سياق النشوء نفسه كان هناك يومًا ما ديناصورات، ثم انقرضت بعد ذلك. فليس هناك كارما موجودة لكائنات تُولَد ثانيةً على هذا الكوكب الآن مثل الديناصورات، ولكن هناك قواعد فيزيقية مختلفة متوافرة لتيارات الذهن ليأخذها مثل الجسد الآن، وهي لا تناقض التفسيراتِ البوذية للقواعد الفيزيقية الموجودة لإعادة الميلاد حتى تتغيَّر عبر الزمن.

أثناء مناقشة لقداسة الدالاي لاما مع العلماء سُئِل: هل يمكن أن تكون أجهزة الحاسب الآلي كائنات واعية، وهل يمكن لتلك الحاسبات أن تكون يومًا ما ذوات عقول؟ فأجاب بطريقةٍ شيقة قائلاً: إنه لو وصل الحاسب الآلي أو الإنسان الآلي إلى نقطة متطورة تكفي لتكون بمثابة الأساس للنشاط الذهني، فليس هناك مانع في أن يتصل العقل بآلة غير عضوية بوصفها أساسًا ماديًّا لدورة من دورات حياتها، وهذا أبعد كثيرًا مما تخيله دارون.

ولا يعني هذا القول بأن الكمبيوتر عقل، ولا القول بأنه يمكننا خَلْق عَقْل بطريقة صناعية في الكمبيوتر، ومع ذلك، فلو تطوَّر الكمبيوتر بدرجة كافية فيمكن أن يتصل به العقلُ ويأخذه أساسًا ماديًّا له.

مثل هذه الأفكار بعيدة المدى في التخيل تجعل إنسان العصر الحديث مُهتمًّا بالبوذية. فالبوذيون شجعان، وراغبون في الدلا إله إلا الله محمد رسول الله في هذه المناقشات مع العلماء، ومواجهة قضايا شعبية مختلفة في العصر الحديث. والبوذية حية بهذه الطريقة، فهي ليس لديها الحكمة القديمة فقط من نسل مستمرٍّ لبوذا، لكنها أيضا حية، وتتعامل مع قضايا الحاضر والمستقبل.

سؤال: ما الذي يحدث لتيار العقل حينما يصبح الإنسان بوذا؟

الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن أقول: إن بوذا علَّم أناسًا كثيرين، ولكنه ليسوا سواء، فالقدرات والميول تختلف من شخص لآخر. كان بوذا ماهرًا جدًّا، وأعطى تنوُّعًا في التعاليم حتى يجد كل شخص نهجًا مناسبًا لشخصيته وميوله. وهكذا فالتقاليد الشهيرة لتعاليم البوذية هي الهينايانا للممارسين متوسطي العقول والماهايانا للممارسين ذوي العقول الكبيرة. ومن بين الثماني عشرة مدرسة للهينايانا التي كانت موجودة في الماضي نجد مدرسة الثيرافادا هي الوحيدة الموجودة حاليًّا فقط.

فلو قال بوذا لإنسان متواضع في طموحاته وأهدافه: إن تيار العقل الخاص بكل إنسان يستمر للأبد. فقد يصيب هذا الشخص بالإحباط، فبعض الناس تسحقهم مشكلاتُهم الخاصة، ولهذا قال لهم بوذا: "يمكنكم الخلاص من مشكلاتكم، وتصبحوا كائناتٍ متحررة - أي آرهات - وتحققوا النيرفانا. وحينما تموتون فستحصلون على بارينيرفانا، وفي هذا الوقت ينتهي تيار عقلكم، تمامًا كما تنطفئ الشمعة حينما يُستهلك الشمع."

فمثل هذا التفسير لذلك الشخص سيكون مُشجِّعًا جدًّا؛ إذ إنه - أو إنها - يحاول الهروب من دائرة المشكلات المتكرِّرة دومًا وإعادة الميلاد، حتى لا يتضايق بعد ذلك مرة أخرى، وهكذا فإنه ذو فاعلية لهذا النوع من البشر. فرجاءً لاحظ أن بوذا - رغم ذلك - أن بوذا لم يُعلِّم أنه في النهاية ستصبح كل تيارات العقل واحدة؛ مثل أنهار الماء المختلط بالمحيط، فهذا هو تفسير الهندوسية.

يقول بوذا لشخص يتميز بعقل مُتفتِّح: "أعطيتُ التفسير السابق لأفيد هؤلاء المتواضعين، ومع ذلك فأنا لا أقصد ما شرحتُه حرفيًّا؛ لأن تيار العقل في الحقيقة يسير إلى لأبد، فبعد أن تخلَّصتَ من مشكلاتك، ونلتَ النيرفانا، تتغير نوعية عقلك، فلا يستمر عقلك بالطريقة المزعجة نفسها كما فَعَل من ذي قبل." وهكذا، وبالنسبة لذوي الأهداف الكبيرة لنيل التنوير، فقد شرح بوذا أن تيار العقل في الحقيقة يستمر للأبد؛ فلا بداية ولا نهاية. وحينما تترك الكائنات المستنيرة أجسامها الحالية فإن تيارات عقولها ما زالت تُواصِل.

هناك فرق بين الآرهاتات - الكائنات المتحررة - التي نالت النيرفانا ،والبوذات المستنيرين تمامًا. فبينما الأول قد تحرَّر من مشكلاته ومعاناته وكل ما يسببها، فإن البوذات قد تغلَّبوا على كل القيود، وحقَّقوا كل إمكاناتهم ليفيدوا الجميع بأكثر الطرق فعاليةً.

سؤال: هل حالة النيرفانا دائمة؟ وحينما ننال التنوير ننال حالة من الاتزان، وهي التي ليست سعيدة أو حزينة، أليس هذا مدعاةً للملل؟

الجواب: نحتاج أن نتوخَّى الحذر في استخدام كلمة دائم؛ فأحيانًا يكون لها معنى ساكن لا يتغير، والمعنى الآخر لكلمة "دائم" هو: أبدي. فحينما نحصل على النيرفانا نكون قد خلَّصْنا أنفسنا من كل مشكلاتنا، وهذه الحالة تستمر للأبد. فإذا ذهبت المشكلات فقد ولَّت إلى غير رجعة. والموقف الذي تذهب فيه كل القيود أيضا لا يتغير؛ سيكون دومًا هو الحال.

ومع ذلك يجب ألَّا نأخذ نظن أن النيرفانا صلبة جامدة ولا نفعل شيئا فيها بسبب أنها دائمة، فالأمر ليس كذلك؛ ولكننا حينما ننال النيرفانا يمكننا مواصلة مساعدة الآخرين، وأن نفعل أشياءَ. فالنيرفانا ليست دائمةً بمعنى توقُّف كل الأنشطة، وعدم حدوث أي شيءٍ. ويجب أن نكون دقيقين قليلاً حين نستخدم كلمة "دائم"، ونكون مدركين لدلالاتها. فحالة النيرفانا نفسها لا تتغير، وإنجاز إزالة القيود لا يتغيَّر؛ ولكنه يستمر للأبد. والشخص الذي يحقق مثل هذه الحالة - رغم ذلك - يستمر في التصرف.

"الاتزان" أيضًا له دلالات عديدة، ويمكن أن يعني شعورًا محايدًا لكون المرء غير سعيد وغير حزين، لكن ليس هذا ما عَلِمَه بوذا. بعض الآلهة العليا يستغرقون أنفسهم في نوباتِ غيبوبةٍ من التأمُّل العميق يتجاوز الشعور بالسعادة أو التعاسة؛ فهم يمرون بتجربة يشعرون فيها بشعور محايد تمامًا في هذه الغشيات.

أما البوذات فيخلصون أنفسهم من هذه المشاعر المحايدة أيضًا، إذ إنها مرتبطة بالتشويش. وحينما نُخلِّص أنفسنا من مشكلاتنا وقيودنا فنحن نُطلِق كَمًّا هائلاً من الطاقة، التي كانت مُقيَّدة في السابق بالعصبية والقلق والمخاوف، ونحن نعايش إطلاقَ كلِّ تلك الطاقة غير المرتبطة بأي اضطراب على أنها شعورٌ بالسعادة البالغة. هذا يختلف تمامًا عن السعادة العادية المرتبطة بالحيرة، وليست على الإطلاق محايدة أو مملة.

استخدام آخر لكلمة اتزان يشير إلى أن البوذات لديهم اتزان نحو الجميع، فكلمة "اتزان" هنا لا تعني عدم الاكتراث، لكنها تعني وجود اتجاه مساوٍ من العناية والاهتمام بالجميع، فالبوذات لا يُحابُون البعض، ويتجاهلون الآخرين أو لا يحبونه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:06 pm

أسئلة أساسية عن الانعزال، وعدم العنف، والرحمة


سؤال: ما معنى الانعزال؟

الجواب: يختلف المعنى البوذي للانعزال قليلاً عما تعنيه الكلمة عادةً في اللغة الإنجليزية؛ فالانعزال في البوذية يرتبط بالتخلي، وكلمة "تخلٍّ" في الإنجليزية خادعة؛ إذ إنها تشير إلى أنه يجب علينا أن نتخلى عن كل شيءٍ ، ونذهب لنعيش في كهفٍ.

وعلى الرغم من وجود أمثلة لشعوبٍ مثل الميلاريبا، ذلك الشعب الذي تخلى عن كل شيء، وعاش في كهفٍ، فإن ما فعله أشير إليه بكلمة مغايرة خلاف الكلمة التي تُرجمت إلى "تخَلٍّ"، أو "انعزال". فالكلمة التي تُرجمت إلى "تخلٍّ" في الحقيقة تعني: "إرادة الحرية". فنحن لدينا إرادة قوية. فيجب أن نتخلصَ من مشكلاتنا وصعوباتنا الخاصة، فعقلنا مستقرٌ بالكليةِ على تحقيق هذا الهدف." نريدُ أن نقلعَ عن ألعاب الفردية ونبتعد عن الغرور؛ لأننا عازمون على التحررَ من كل المشكلات التي تسببها. ولا يعني هذا أنه علينا أن نتخلى عن منزلٍ مريحٍ، أو أشياء أخرى نستمتع بها. على الأصح، نحن نحاول إيقافَ مشكلاتِنا الناتجة عما سبق، وهذا يقودُنا إلى الانعزال.

ولا يعني كونُنَا منعزلين أننا لا نستطيعُ الاستمتاع بشيء ما، أو صحبة شخصٍ ما، بل ذلك يعين إلى حقيقة مفادها أن التعلق بقوة بأي شيء أو شخصٍ يسبب لنا المشكلاتِ؛ إذ إننا نصبحُ معتمدينَ على ذلكَ الشيء أو ذلك الشخص، ونبدأ نفكر بحيرة:" إذا فقدت هذا الشيءَ أو الشخص، أو لم أستطع الاحتفاظ بهذا أو ذاك طوال حياتي، فهل أصبح بائسًا؟" إن الانعزالَ يعني أنه "إذا حصلتُ على الطعام الذي أريده فهذا أمر لطيفٌ للغاية؛ وإذا لم أحصل عليه فإنها ليست نهاية العالم." فليس هناك تعلقٌ أو تشبُّثٌ به.

في علم النفس الحديث توجد لكلمة "تعلق" دلالاتٌ إيجابيةٌ في سياقاتٍ مُعَيَّنةٍ؛. فهي تشير إلى الارتباط الذي يحدث بين الطفل وأمه. ويقول علماء النفس: إذا لم يكن لدى الطفل تعلق أَولي بوالديه فسينتج عن ذلك صعوباتٌ في نمو الطفل. ومرةً ثانيةً نجد العثور على العثور على كلمةٍ إنجليزيةٍ مناسبةٍ لتنقل المعنى البوذي أمرًا صعبًا؛ إذ إن المعنى البوذي للتعلق يتسم بالخصوصية تمامًا. وحينما تقول التعاليم البوذية إننا بحاجةٍ إلى تنمية الانعزال، فهي لا تعني أننا لا نريد تنمية الرباط بين الطفل وأبويه. فالمقصودَ بـ"الانعزال" هو تخليص أنفسنا من التعلق والرغبة الشديدة في شخصٍ أو شيءٍ ما.

سؤال: هل هناك فرقٌ بين تصرفٍ انعزالي وتصرفٍ إيجابي من الناحية الأخلاقية؟

الجواب: قبل أن أردَّ على تساؤلك أريد فقط أن أنبهك إلى شيء مهم؛ فأنا أفضل كلمة "بَنَّاء" عن كلمة "فاضل"؛ إذ إن كلمتَي "فاضل" و"غير فاضل" يدلان على حكمٍ أخلاقي، وهو أمرٌ غير مقصود في البوذية. فليس هناك حكمٌ أخلاقي، بل لا يوجد ثواب أو عقاب. وبالأحرى هناك أفعالٌ معينة مُعَمِّرة وأخرى مُدَمِّرة. فلو أطلق شخصٌ ما الرصاصَ على الناس فإن هذا عملٌ مُدَمِّرٌ، ولو أن شخصًا ضرب أفراد أسرته فهذا عملٌ مُدَمِّرٌ. وهذا أمر متفق عليه، ولا يتضمن ذلك حكمًا أخلاقيًّا. وحين نعطفُ على الآخرين ونساعدهم فإن هذه تصرفات بنَّاءة أو إيجابية.

وحينما نساعد الآخرين فيمكننا فعلُ ذلك بسبب التعلق أو الانعزال، فمساعدة شخصٍ ما بسبب التعلق تكون - على سبيل المثال – أن يقولَ شخصٌ: "سأساعدُكَ لأني أريدُك أن تحبني. أود أن أشعر باحتياج الناس لي." سوف نقول إن فعل المساعدة هذا ما زال إيجابيًّا، غير أن الدافع إليه ليس الأحسن.

في مناقشة الكارما نحن نُفَرِّق بين الدافعية والتصرف؛ فيمكننا عمل تصرفٍ إيجابي بدافعٍ سيئ للغاية. وسوف ينتج عن التصرف الإيجابي بعضُ السعادةِ، بينما ينتج عن الدافعية السيئة بعض المعاناة. والعكس أيضًا يمكن أن يكون صحيحًا: التصرف سلبيٌّ - مثل ضرب الأبناء على سبيل المثال - غير أن الدافعية إيجابيةٌ؛ فلقد كان الهدف إنقاذَ حياته. وكمثال أيضًا؛ إذا كان الطفلُ على وشك الجري على قارعة الطريق، وقلنا له بطريقة لطيفةٍ: "يا عزيزي، لا تجرِ على الطريق." فإن هذا لن يُوقِفَهُ، أما لو اجتذبناه بشدة، وأعطيناه ضربةً على مؤخرته، فإنه يمكن أن يعترضَ ويصرخَ، لهذا فهناك نتيجة سلبية قليلاً لهذا التصرف. ومع ذلك فقد كانت الدافعية إيجابية، والنتيجة الإيجابية هي أكبر بكثيرٍ من تلك السلبية؛ لأن الولدَ قد أُنقِذَ. أيضًا فإن ابنَنا سيقدِّرُ أننا نهتم به. الشيء نفسه قد يصدُقُ على فعلٍ بَنَّاء؛ فقد يكون دافعُه الانعزال، الذي هو دائما الأفضل، لكنه قد يُفعَلُ أيضًا بدافع التعلق.

سؤال: هل الرحمة تعني أننا يجب أن نتحلى بالسلبية والطاعة أم أن هناك طرائق قوية يُسمح بها أحيانًا؟

الجواب: ينبغي ألا توصم الرحمة بأنها "معتوهة"؛ حيث نعطي كل إنسانٍ ما يريده. فإذا أراد السِّكِّير الويسكي، أو القاتل مسدَّسًا، فتلبية رغباتهم بالتأكيد ليست من الرحمة في شيء، فيجب أن تمتزجَ الرحمةُ والكرمُ من جانبِنا بالحكمة والتمييز.

أحيانًا يكون من الضروري التصرف بقوةٍ؛ لنؤدبَ طفلاً، أو لنمنع موقفًا فظيعًا من الحدوث. وكلما كان ذلك ممكنًا فإنه من الأفضل التصرف بطريقةٍ غير عنيفة لمنع موقف خطير أو تصحيحه، ومع ذلك إذا تبين لنا أن هذا لا يجدي، ونرى أن الطريقة الوحيدة للقضاء على هذا الخطر مباشرة هي التصرف بقوة، عندئذٍ إذا لم نتصرف بهذه الطريقة فهذا يُعَدُّ عدم رغبة في المساعدة. ورغم ذلك فنحن بحاجةٍ إلى التصرف بطريقةٍ لا تسبب أذًى كبيرًا للآخرين.

وفي مقابلةٍ مع قداسةِ الدالاي لاما سُئِل سؤالاً مشابهًا، وفي إجابتِهِ أعطى مثالاً: هناك رجل يريد عبور نهر صعب وخطير سباحةً، وهناك رجلان يشاهدان الموقف عن كَثبٍ، وكلاهما يعلم أن هذا الشخصَ لو نزل إلى النهر فسوف يغرقُ في التيَّار الجارف، أحدُهما ينظرُ بهدوءٍ ولا يفعلُ شيئًا؛ إذ يعتقدُ أنه لا بد أن يكونَ مسالمًا غيرَ عنيفٍ وهذا يعني أنه يجب ألاَّ يتدخل. والشخصُ الثاني ينادي بأعلى صوتِهِ على السَّبَّاح، ويُخبرُه ألاَّ ينزل إلى الماء؛ فالتيار خطيرٌ. يقول السَّبَّاحُ: " أنا لا أهتم، سأذهبُ على أية حالٍ." ويتجادلان، وأخيرًا فإن الشخص الواقف على الشاطئ ويريد أن ينقذه يَضربُ السباح ويُفقِدُه الوعي؛ لكي يمنعه من قتلِ نفسِهِ. في ذلك الموقف فإن الشخصَ الذي يكتفي بالجلوس، وتتملكُهُ الرغبةُ في مشاهدة الرجل وهو ينزل إلى الماء ويغرق، هو الشخصُ الذي يرتكبُ عملاً من أعمال العنف. والشخص المسالمُ هو الشخصُ الذي يمنعُ الرجلَ فعلاً من قتلِ نفسِهِ، حتى لو اضطرَّ إلى استخدام العنف معه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:08 pm

نظرة البوذية للديانات الأخرى


السؤال: ما موقف البوذية من الديانات الأخرى؟

الجواب: إن وجود فوارق في الميول والرغبات بين الناس هو السبب في تعليم بوذا الناسَ مناهجَ متباينة؛ ولقد قال صاحب القداسة الدالاي لاما الرابع عشر: إنه من الرائع وجود ديانات متعددة كثيرة في العالم. فكما أن الطعام الواحد لا يروق للجميع كذلك لا توجد ديانة واحدة أو مجموعة واحدة من العقائد تشبع حاجات الجميع. وبالتالي فإن ذلك التنوع مفيد جدا للناس حتى يختاروا منها ما يحبون. وهذا يدل على ترحيبه وسعادته بتعدد الديانات.

وفي هذه الأيام هناك حوار متزايد مبني على الاحترام المتبادل بين العلماء البوذيين وعلماء الديانات الأخرى، فمثلا يلتقي الدالاي لاما بابا الفاتيكان مِرارًا. ففي أسيزي بإيطاليا في أكتوبر سنة 1986م دعا البابا علماء جميع الأديان العالمية إلى اجتماع كبيرٍ حضره مائة وخمسون ممثلاً عن هذه الأديان، فأجلس البابا صاحب القداسة الدالاي لاما إلى جانبه، ومنحه شرف إلقاء كلمة الافتتاح، وقد ناقش هؤلاء العلماء الأمور المشتركة بين الأديان كلها؛ مثل: الأخلاق والحب والرحمة. وقد أحس علماء الأديان جميعا أن هناك تشجيعًا لهم للتعاون والتعايش والاحترام المتبادل بينهم.

و طبعاً لو بدأنا بمناقشة الميتافزيقا وعلم الكلام فيوجد هناك نزاعات ولا يوجد طريقة للتخلص من هذه الخلافات. ولكنه لا يعني أننا نحتاج إلى المجادلة ببرهان: "كان أبي أقوى من أبيك!". فإنه في غاية السخافة. من الأفيد أن ننظر إلى الجوانب التي هي متفقة عليها فيما بيننا. إن ديانات العالم كلها بصدد محاولة تحسين وضع الإنسانية وجعل حياة الناس أفضل بتعليمهم إتباع السلوك الأخلاقي. فتعلم كل هذه الأديان أن لا نرتبك في الجانب المادي من الحياة بل نتوسط على الأقل بين طلب التطور المادي و التطور الروحي.

أن تعمل الأديان جميعها على تحسين الأوضاع العالمية فذلك شيء مفيد للناس، فنحن لا نحتاج إلى الحضارة المادية فقط، بل بحاجة أيضا إلى السموِّ الرُّوحي، ولو كنا متفقين على ضرورة التطور المادي فقط في حياتنا فمن الأفضل أن نصنع قنبلة تبيد الناس جميعا، وسيكون أمرا مرغوبا فيه عند بعض الناس، ولكن لو فكرنا بمنظور إنساني فسوف نفكر في العواقب الوخيمة والمشاكل المترتبة على تطوير أسلحة الدمار الشامل، ولو اتفقنا على الجانب الروحي فقط في الحياة فسوف يهلك الناس جوعًا. وكلا الأمرين شر، والخير في الاعتدال.

أحد آثار التفاعل بين الأديان العالمية هو المشاركة في خصوصياتهم، فعلى سبيل المثال التقارب بين البوذيين والمسيحيين، فقد تعلم كثير من الرهبان النصارى أساليب التأمل والتفكر من البوذية، وزار عدد كبير من الكهنة ورؤساء الأديرة والرهبان الكاثوليكيين دارامسالا الهند؛ ليتعلموا هذه المهارات ويعودوا بها ثانيةً إلى ديانتهم، وفي المقابل درَّس كثير من البوذيين في المدوليكية، كما دُعيتُ أنا لتعليم أساليب التأمل وتطوير التركيز والحبِّ، فالمسيحية تعلمنا أن نحب الجميع، ولكنها لا توضح بالتفصيل كيف نفعل ذلك، أما البوذية فإنها مليئة بمناهج تنمية الحب داخليًّا. والديانة المسيحية متفتحة في أعلى مستوياتها لتعلم هذه الأساليب من البوذية، ولا يعني هذا أن المسيحيين قد يتجهوا إلى البوذية - لا يريد أحد أن يخرج الآخر من ديانته – ولكنهم يستطيعون اتباع هذه الأساليب من داخل نظامهم الديني ليصبحوا مسيحيين بصورة أفضل.

ونجد في المقابل أن كثيرًا من البوذيين يتعلمون تقديم الخدمات الاجتماعية من المسيحية، فالتقاليد المسيحية تؤكد على ضرورة مشاركة الرهبان والراهبات في أعمال اجتماعية مختلفة؛ كالتدريس ورعاية المرضى وكبار السن واليتامى وغيرهم، ورغم الخطوات التي مشَتْها بعض البلاد البوذية في هذا المجال، إلا أن بعض البلدان البوذية لم تشارك في هذا العمل لأسباب اجتماعية وجغرافية، وصاحب القداسة الدالاي لاما نفسه يرجب بالخدمات الاجتماعية، وهذا أيضًا لا يعني اعتناق البوذيين للمسيحية، ولكن المسيحيين لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال، وبإمكانهم الاستفادة منها، والعكس صحيح؛ فالبوذيون لديهم خبرات يمكن للمسيحيين الإستفادة منها، فلا مانع من اقتباس خبراتهم. وهكذا يوجد مجال مشترك ومفتوح بين الأديان يقوم على الاحترام المتبادل.

والحوار بين الأديان عادة ما يكون مثمرًا عندما يكون على أعلى مستوى، إذ عادة ما يكون الأفراد متفتحين وغير متحيزين، ويقل هذا الحوار على مستوى العامة، الذين يكون لديهم أحيانا عقلية مشجعي كرة القدم الذين يرون أن دينهم هو الوحيد الذي يجب أن يشجعوه، وجميع الأديان الأخرى هم المنافسون الذين يخالفونهم. وهذا الأمر يؤدي في النهاية إلى الصراع بين أتباع الأديان المختلفة، وهذا الصراع للأسف قد يوجد بين أتباع التعاليم المختلفة في البوذية نفسها؛ وذلك لأن بوذا علم الناس أساليب مختلفة لكنها متوافقة فيما بينها لتناسب قطاعًا كبيرًا منهم. وفي النهاية فاحترام تقاليد الآخرين جميعًا سواء في داخل البوذية أو الأديان العالمية الأخرى أمر مهم جدًّا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:11 pm

دراسة للأشكال الأساسية للبوذية


لِننظرْ إلى بعض المعالم المميزة للثيرافادا، وللأشكال الصينية والتبتية للبوذية، بوصفها ممثلاً للنُظُمِ الرئيسة الموجودة اليوم.

الثيرافادا

تؤكدُ مدرسةُ الثيرافادا على ممارسةِ التأمل الواعي، الذي يكون بالتركيز على النَّفَسِ، وعلى أحاسيسِ الجسم حالَ الجلوسِ، وعلى الحركات ونوايا التحرك أثناء السيرِ ببطءٍ شديد. فبالانتباه لارتفاع وانخفاض كل لحظةٍ يحصلُ المرءُ على إدراكٍ تجريبيٍّ لعدم البقاء، وحينما يُطبَّقُ هذا الفهم على تحليل خبراتِ المرءِ كلِّها يمكنُ للمرءِ أن يُدرِكَ أنه ليس هناك ذاتٌ ثابتة دائمة توجد مستقلةً عن كل شيءٍ، وعن كل شخصٍ آخر. فالكل (كل ما يحدث) تغيراتٌ سريعةٌ. وبهذه الطريقةِ يكسبُ المرءُ فَهمًا للواقع سوف يحرر ذاتَهُ من الأنانية والشَّقاء الذي تَجلبُهُ. وتُعَلِّمُ الثيرافادا أيضًا التأملاتِ عن الحب والرحمة، ولكن فقط في العقودِ الأخيرة صار لها حركةٌ لما يمكنُ أن نُسَميَهُ "البوذية المشاركة"، وقد بدأت في تايلاند لشغلِ البوذيين في برامجَ مساعدة بيئية واجتماعية. وعلاوةً على ذلك فإن رهبانَ الثيرافادا يدرُسون الكتبَ البوذيةَ المقدسةَ ويُنشِدونها، ويؤدون احتفالاتٍ طقوسيةً للعامة. ويذهب الرهبان في جولات يومية لتسول الصدقات في صمت، وأصحابُ البيوتِ يظهرون كَرمهم بتقديم الطعام لهم.

ماهايانا الشرق آسيوية

تقاليد الماهايانا الشرق آسيوية المستمدة من الصين لها مظهران رئيسان: الأرض الطاهرة، وما يُعرفُ في اليابان ب"زِن". ويؤكد تقليد الأرض النقية على تلاوة اسم أميتابا، أي: بوذا النور اللانهائي ، بوصفه وسيلةً لدلا إله إلا الله محمد رسول الله أرضه الطاهرة للسعادة، وهي نوعٌ من الجنة كل شيء فيها يُؤدِّي إلى أن يصبحَ المرءُ بوذا. ويُؤكد تقليدُ زِن على التأمل الدقيق الذي يُفَرِّغُ المرءُ فيهِ عقلَهُ من كل فكرٍ نظريٍّ؛ لكي تتألَّقَ الطبيعةُ النقيةُ للعقلِ بالرحمة وتُوهب الحكمة. والرهبان والراهبات في كلا التقليدَينِ ينشدون نصوصًا دينيةً، وبمراعاةِ الثقافةِ الكونفوشيوسيَّة يؤدون احتفالاتٍ خاصة لأسلافهم الراحلين في المجتمع الدنيوي.

الماهايانا التبتية

الشكل التبتي لبوذية الماهايانا الموجودة عبر آسيا الوسطى تؤكد على الدراسة - خاصةً عن طبيعة العقل والانفعالات، بواسطة المنطق والمناظرة – مقترنةً بالتأمل الدقيق. وهذا يمتزج بممارسة التانترا، التي يستخدم فيها المرءُ قواه التخيلية، ويعملُ مع الطاقات الخفية للجسد لتحويلِ نفسه إلى بوذا. وهذا يكون بالتركيز على الفراغ والرحمة، وفي نطاق هذا السياق تخيل المرء ذاته أنه أصبح شكلاً مُعَيَّنًا لبوذا. وعلى الرغم من أن هذه الأشكال تسمى أحيانا "آلهة التأمل"، فهم ليسوا مساوين لله في المعنى أو الوظيفة، فالبوذية ليست بأي شكلٍ من الأشكال دينًا شِركيًّا. فكل شكلٍ من أشكال بوذا هو تمثيلٌ رمزي لمظهرٍ من مظاهر تنوير بوذا، مثل الحكمة أو الرحمة. ورؤية المرء ذاته في مثل هذا الشكل، وتلاوة المقاطع المقدسة (المانترا) المرتبطة به، تساعد المرءَ في التغلب على صورة ذاته السلبية المغرورة، وتنمي الصفاتِ التي يُجسدها هذا الشكل. ومثل هذا النوع من الممارسة نوعٌ متقدمٌ للغاية، ويتطلَّب إشرافًا دقيقًا لمعلمٍ مؤهلٍ تمامًا.

وللبوذية التبتية أيضًا عددٌ كبيرٌ من الترانيم والطقوس، غالبًا ما تهدُف إلى طرد القوى السلبية والتدخل المرئي والتشويش الذي يتراءى في شكل شياطين، وأثناء أداء هذه الطقوس يتخيل المرءُ نفسَهُ في شكلٍ قويٍّ وغاضب للغاية؛ ليكون وسيلة تأملية معينة لاكتساب الطاقة والثقة للتغلب على الصعوبات. وهناك أيضًا تأكيدٌ على الأساليبِ التأملية لتشجيعِ الحب والرحمة، وتنطوي أيضًا على استخدام التخيُّل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:12 pm

مصطلحا الهينايانا والماهايانا


مصطلحا الهينايانا (المركبةالأقل، أو المركبة المتواضعة) والماهايانا (المركبة الأكبر، أو المركبة الواسعة) ظهرا أولاً في البراجناباراميتا سوترات (سوترا الإدراك المميز بعيد المدى، وسوترا إتقان الحكمة) تقريبًا في القرن الثاني من العصر الحديث. وهذه السوترات كانت ضمن أول نصوص ماهايانا، واستخدمتِ المصطلحَين للتأكيد على أن منظور تعالميهم وعمقها تجاوزا إلى حدٍّ بعيد تلك الخاصة بالمدارس البوذية السابقة.

وعلى الرغم من أن هذين المصطلحين يحملان في طياتهما دلالاتٍ طائفية، ويظهران فقط في نصوص الماهايانا، فإنه من الصعب إيجاد بدائل "صحيحة سياسيًّا" ومناسبة. فقد أصبح مصطلح "الهينايانا" اسمًا جمعيًّا لثماني عشرة مدرسةً، إحداها فقط موجودة حاليًّا، ألا وهي الثيرافادا. وبالمثل فالـ"ماهايانا" تشمل مدارسَ عدة. وحينما يدرس التراث الهندو-تبتي ويناقش أنظمة الهينايانا للمبادئ الفلسفية فإن الإشارة تكون للفايباشاكا والساوترانتاكا، وكلاهما يعتبران سارفاستيفادا، وهي إحدى المدارس الثماني عشرة. ولأن بعض مدارس الهينايانا ظهرت بعد الماهايانا فلا يمكننا أن نسمي الهينايانا: "البوذية المبكرة" أو"البوذية الأصلية". والماهايانا: "البوذية المتأخرة".

تُوجد الثيرافادا حاليًّا في سريلانكا وجنوب شرق آسيا، وانتشرت مدرسة الدارماجوبتا - وهي مدرسة أخرى من الثماني عشرة مدرسة - في آسيا الوسطى والصين. وتراث الرهبنة الصينية يتبع مدرسة الدارماجوبتا لأنظمة وقواعد الرهبنة (ما يسمى بالسنسكريتية الفينايا). وعلاوة على ذلك فقد انتشرت الماهايانا في إندونيسيا، على الرغم من أنه لم يعد لها وجود هناك، وهكذا فتسمية الهينايانا بـ"البوذية الجنوبية"، والماهايانا بـ" البوذية الشمالية" أيضًا غير مناسب.

تستعرض كل من مدارس الهينايانا والماهايانا مساراتٍ للشرافاكا (المستمعين إلى تعاليم بوذا) والبراتيكابوذا (المحققين للذات) للوصول إلى حالة نقاء تسمى: آرهات (الكائن المتحرر)، وللبوديساتفا للوصول إلى درجة البوذا. ولهذا فإن تسمية الهينايانا: "شرافاكايانا"، والماهايانا: "بوديساتفايانا." أمر يحدث التباسًا في الفهم.

ونتيجةً لذلك، فعلى الرغم من أن ممارسي الثيرافادا قد يجدون مصطلحي: هينايانا وماهايانا مسيئين، فسوف نستخدمهما على مضضٍ للإشارة إلى تصنيف المدارس البوذية، في مواجهة عدم دقة المصطلحات السابقة، وهي أكثر صوابًا من الناحية السياسية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:28 pm

عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة

فوائد دراسة التنجيم


في السياق البوذي عندما نُؤكِّد من جديد على دافعنا في بداية المحاضرة فنحن نُؤكِّد دائمًا على أن هدفنا في الاستماع هو تعلُّم شيء يمكن أن يساعدنا في حياتنا. ونحنُ نرغب بشكلٍ خاص في تعلُّم شيءٍ يساعدنا في حلِّ مشاكلنا، بالإضافة إلى تعلُّم شيءٍ يساعدنا في تقديم أفضل مساعدة للآخرين، وعندما نُفكِّر بعِلم التنجيم في هذا السياق فعلينا أن نكون واضحين بالنسبة لما يمكننا أن نستقيه - فعلاً - من دراسته وتعلُّمه.

فعلى أحد المستويات يُساعدنا عِلم التنجيم على معرفة ما قد يحدث في المستقبل، واعتمادًا على هذه المعرفة يمكننا اتخاذ إجراءات احتياطية لتفادي الصعوبات. الدارما تعني حَرفيًّا إجراءات احتياطية، ولكن علينا أن نحذر حتى لا نتحوَّل إلى متشائمين، وأن نعتقد أن كلَّ شيء مُقدَّر – لا مناصَ من حدوث بعض المشاكل – وهذه النظرة ليست هي النظرة البوذية للحياة أبدًا، خاصَّةً عندما ننظر إلى عِلم التنجيم التنبُّئي، ومن الضروري أن نفهمه ضمن سياق التعاليم البوذية للكارما.

وعلى مستوى آخر يمنحنا عِلم التنجيم خطوطًا إرشادية لفَهمِ أنفسنا بصورةٍ أفضل؛ بحيث نكتسب فكرةً ما حول مشاكلنا العاطفية. وعلى مستوى عام أكثر تعطينا خصائصه حول الكواكب والعلامات وما إلى ذلك بنيةً تحليلية، ننظر من خلالها إلى حياتنا وشخصياتنا.

وعندما نرغب في مساعدة أحدهم فليس من السهل الحصول على فكرة واضحة حول نوع المشكلة التي قد يعاني منها الشخص، أو الطريقة الأفضل للتواصل معه. فبعض المعرفة حول برجه ومقارنته ببرجنا يساعد على تكوين فكرة حول كيفية التوجه إلى هذا الشخص في المقام الأول. ومرة أخرى علينا أن ننظر إلى ذلك ضمن سياقٍ بوذي، ومن المهم جِدًّا تفادي وضع الأشخاص ضمن قوالب جامدة والتفكير هكذا: "حسنًا، هذا الرجل ينتمي إلى الميزان وأنا إلى الأسد، عليَّ أن أتصرَّف معه بهذه الطريقة. تلك المرأة تنتمي إلى برج الثور، لذا عليَّ التصرُّف معها على هذا النحو". فمثل هذا التفكير الخاطئ لا يترك مجالاً للتواصل مع الشخص، ويمكن لعِلم التنجيم أن يكشف البطاقة الأولى لتلعبها معه. علينا أن نتوجَّه إلى عِلم النجوم من هذا المنظور، وأن نربطه دائمًا بالتعاليم البوذية حول الكارما والبُطلان.

من بين التقاليد المثيرة لعِلم التنجيم في العالَم يُعَدُّ النظام التبتي-المنغولي أحد أكثر الأنظمة تعقيدًا، فهو أعقد بكثير من عِلم التنجيم الغربي. وهنا علينا – ببساطة - أن نُجري مسحًا موجَزًا حول الموضوع؛ كي يتسنَّى لنا تكوين فكرة مُعيَّنة حول ما يحتويه، ويُعَدُّ عِلم التنجيم المنغولي مختلفًا بعض الشيء عن النظام التنجيمي التبتي، لكن الآن دعونا نتحدث عن النظام التبتي-المنغولي بشكلٍ عامٍّ مُقدِّمةً لهذا العِلم، وبعدها يمكننا الانتقال إلى علاقة عِلم التنجيم بالكارما والبُطلان. وهذه المناقشة الأخيرة ليست مقصورة أو محدودة على عِلم التنجيم التبتي-المنغولي، بل تتعلَّق بكل أنظمة عِلم التنجيم.

مجال عِلم التنجيم التبتي-المنغولي

تتناول دراسة عِلم التنجيم التبتي-المنغولي عدة موضوعات، وينظر معظم الناس لعِلم التنجيم على أنه مُجرد حساب الأبراج وتفسيرها، وعندما يتعلَّم المرء عِلم التنجيم التبتي-المنغولي فسيتعلَّم يقينًا أن يفعل ذلك. ولكن الأبراج التبتية والمنغولية لا تُعطِي صورًا عن الشخصية التي يولد بها المرء - أي جدول الولادة - فحسْبُ، وإنما تتوسَّع حول كيفية اكتشاف حياة الشخص على مدار السنوات - جدول التقدم - وهي تنمو بصيغةٍ مختلفة جِدًّا عن تلك الواردة في الأبراج الغربية.

ولا يمكنكم أن ترسموا بُرجًا إذا لم يكن لديكم تاريخ ولادة الشخص وتطوُّر فترة حياته في سياق التقويم. وبذلك ينطوي قسمٌ كبير من الدراسة على الرياضيات والحسابات لبناء التقويميْنِ: التبتي والمنغولي، اللذين يختلفان جِدًّا عن التقويم الغربي. بالإضافة إلى ذلك لا يمكنكم تحديد برج معيَّن إذا لم تعرفوا الموقع الدقيق للكواكب وقت الولادة ولاحقًا في الحياة فقسمٌ كبيرٌ آخر من التدريب إذًا هو الرياضيات لحساب التقويمات الفلكية التبتية-المنغولية، وبتعبير آخر مواقع الكواكب في كل يوم. وهناك بضعة جداول لهذه المواقع موجودة للاستشارة الفورية، كما هي الحال في الغرب، لكن عُلماء التنجيم التبتيين والمنغوليين يَحسُبون غالبًا كلَّ شيءٍ يدويًّا.

وبالتزامن مع الروزنامات يُنشئ المُنجِّمون تقويمات، ويُشير التقويم إلى أكثر الأيام والساعات تبشيرًا للبدء في زراعة المحاصيل في الحقول لحصادها، ولأشياء أخرى مُهمَّة للمجتمع.

ويخلط عِلم التنجيم التبتي-المنغولي بصورةٍ فريدة - كما هي حال الطِّبِّ التبتي-المنغولي - جوانبَ تنبع من أصول هندية ويونانية قديمة وصينية ووسط آسيوية وبونية أصلية، وتنقسم المادة إلى جانبيْنِ رئيسيْنِ: "الحسابات البيضاء" و"الحسابات السوداء". ولا شأن لهذه التسميات بالخير أو الشر، كما هي الحال في اصطلاحَيِ السِّحْر "الأبيض" أو "الأسود"، فالأبيض والأسود هما الاختصار التبتي لأسماء هندية وصينية على التوالي؛ فالهند تُعرَف بالتبتية بأنها "الأرض الواسعة حيث يرتدي الناس فيها الأبيض"، والصين بأنها "الأرض الواسعة حيث يرتدي الناس فيها الأسود".

الحسابات البيضاء والكلاتشاكرا

نشأ الكثير من أنظمة التنجيم المشابهة في الهند، أكثرها هندوسي، وواحد فقط بوذي. ونبعت الحسابات البيضاء أساسًا من النظام البوذي الهندي، الموجودة في موادِّ الكلاتشاكرا تانترا، والكلاتشاكرا تعني "حلقات الحياة"، وتضمُّ ثلاثة مستويات: الحلقات الخارجية والداخلية والبديلة.

تُشير الحلقات الخارجية إلى الحلقات التي يمرُّ بها الكون، وبسبب هذه الحلقات يمكنك قياس الزمن خارجيًّا من خلال النظر إلى فترات مرور الشمس والقمر والكواكب في السماوات. فالبوذية تعرف الوقت بعد كل شيء وسيلةَ قياس للتغير. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال حلقات الأنماط التي تعتمدها الأجسام السماوية في علاقتها مع بعضها البعض إلا الحركة، يمكننا استنتاج الأبراج، فمُجمَل دراسة علم الفلك والتنجيم ترتبط بهذه الحلقات الخارجية.

وداخليًّا يُمكنك كذلك قياس مرور الوقت من خلال الحلقات في الجسم. فعلى سبيل المثال يمكنك قياس الوقت من خلال عدد الأنفاس التي يأخذها الشخص، ويمكن كذلك قياسه من خلال حلقة الطفولة والمراهقة والبلوغ والسِّنِّ المتقدِّمة من حياة الإنسان، أو من خلال دورة الحيض عند النساء. وهكذا فهناك حلقات خارجية وداخلية للوقت، وحسب تعاليم الكلاتشاكرا فإن المجموعتين متوازيتان.

وعندما ننظر إلى الأمر من وجهة نظر بوذية نقول إن المخلوقات العادية لا تتحكَّم بهذه الحلقات، وتنشأ الحلقات من خلال قوة الكارما، أو نبضات من الطاقة. والحلقات الخارجية، التي تشير إلى خرائط انتقال المواقع اليومية للأجسام السماوية، "تنضج" أو تنتج عن الكارما المشتركة العامَّة. أمَّا الحلقات الداخلية، التي تشير إلى خرائط طفولة الأشخاص وتطوُّرهم، فتنضج من الكارما الفرديَّة لكل شخص. ونحن نعاني من كل أنواع المشاكل؛ لأننا لا نتحكَّم بأي من هذه النضوجات الكارمية وتأثيراتها علينا.

فعلى سبيل المثال يتأثَّر بعض الأشخاص بقوَّةٍ بتكوينات بُرجهم الطفولي، فهم يعانون من صعوباتٍ في التعامل مع حياتهم الشخصية، وكذلك مع الحلقات الخارجية، مثل: فصول الشتاء الطويلة أو القمر المكتمِل. ويصبح بعض الأشخاص كسالَى بعض الشيء مع حلول القمر المُكتمل، مثل المستذئبين! ويعاني الناس كذلك من صعوباتٍ في التعامل مع الحلقات الداخلية: حلقة تطور الهرمونات عند مرورها مرحلة سن البلوغ، ودورة الحيض وعملية التقدُّم في السن، وما إلى ذلك. ونجاهد في البوذية للتحرُّر من هذه الحلقات المتكرِّرة التي لا سيطرة عليها، وهي ما ندعوها سامسارا، وللاستمرار حتى نصبح بوذات مُتنوِّرين يمكننا أن نقدِّم أفضل مساعدةٍ للآخرين.

أمَّا الحلقات البديلة للزمن فتنطوي على ممارسات متنوعة لتأمُّلات الكلاتشاكرا للتحرر والتنور، وتكشف هذه النقطة المهمَّة التوجُّه الأساسي الذي تعتمده البوذية تجاه عِلم التنجيم. ونريد أن نتحرَّر من الرضوخ لرحمة الخصائص التنجيمية مثل الأبراج. وطبقًا للبوذية فإن التواصُل الذهني أو المَجْرَى الفِكري لكل فرد قد عاش مشاكل لا أوَّلَ لها، وإذا لم نفعل شيئًا لنغيِّر الحال فسيستمر المجرى الفكري في معاناة تلك المشاكل إلى الأبد، من حياةٍ إلى حياةٍ تالية. ذلك يعني أنَّنا بحاجة إلى تحرير أنفسنا، ليس من أبراجنا الشخصية في هذه الحياة فحسب؛ وإنما نحن بحاجة إلى تحرير أنفسنا من كل الأبراج المُحتمَلة لأي مستقبلٍ خارج إطار السيطرة عند الولادة من جديد. وبكلماتٍ أخرى نهدُف إلى تحرير أنفسنا من دائرة الأبراج نفسها.

ومن خلال هذا التوجُّه يمكننا رؤية أنَّ البرج ليس شيئًا ملموسًا وثابتًا، وليس شيئًا يفرض علينا الطريقة التي يجب علينا يقينًا أن نسير عليها، وأننا لا يمكننا فعل شيء حيال ذلك. نحن نريد تحرير أنفسنا من أية عقبات تخيُّلية مثل هذه، ولفعل ذلك علينا أن نُكوِّن فكرةً ما عن تفاصيل برجنا الخاصِّ، وعن كل الأبراج بشكلٍ عامٍّ. إذًا، هذا هو السياق الذي علينا أن ندرس عِلم التنجيم من خلاله – سواء أكان تبتيًّا-منغوليًّا أم هُندوسيًّا-هنديًّا أم صينيًّا أم عربيًّا أم مانويًّا أم غَربيًّا. ونحن نرغب في التغلب على كوننا تحت سيطرة أبراجنا الشخصية لهذه الحياة، وكذلك على كوننا تحت سيطرة كل الحلقات الدائمة التغيُّرِ للزمن، كما تقيسه الحركة داخل شرْكِ تحوُّلنا إلى مُتشائمين بالنسبة لعِلم التنجيم، خاصَّةً بالنسبة لعِلم التنجيم التبتي-المنغولي؛ لأنه يتحدَّث كثيرًا عن أيام "التفاؤل" وأيام "التشاؤم".

العلاقة مع عِلم التنجيم الغربي

"الكلاتشاكرا تانترا" هي مصدر الحسابات لمعظم خصائص التقويميْنِ التبتي والمنغولي. ومواقع الأجسام السماوية في التقويم الفلكي، ومعظم العوامل في الروزنامة، مثل أيام التفاؤل وأيام التشاؤم. وقد ازدهرت تعاليم الكلاتشاكرا في الهند قبل انتشارها في التبت وبعدها إلى منغوليا، لذا فهي تشترك في كثير من الجوانب مع الأنظمة الفلكية الهندوسية. كما أن عِلم التنجيم الهندوسي مع عديدٍ من جوانب الثقافة الهندية القديمة يشتركون في كثير من الجوانب مع الثقافة اليونانية القديمة؛ وذلك لأن كِلتا الحضارتيْنِ كانتا على تواصل قريب، خاصةً من عهد الإسكندر الكبير. فدعونا إذًا ننظر أولاً إلى بعضٍ من هذه الخصائص المشترَكة، فعِلم التنجيم الغربي يشترك في الجوانب نفسها كذلك؛ لأنه ينبع من التقليد اليوناني القديم.

في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي نحسُب مواقع الكواكب وصولاً إلى زُحَل، وليس الكواكب العابرة لزحل، ونُسمِّي أيام الأسبوع على اسم الأجرام السماوية، مثل الأحد (Sunday) على اسم الشمس (sun)، والاثنيْن (Monday) على اسم القمر (moon). ولأن الكواكب الأبعد من زُحَل لا تُرى بالعين المجردة فلم يكن العالم القديم مُدركًا لها، كما أن هناك تقسيمَ لوحة الأبراج إلى اثنتيْ عشرة علامة، تحمل جميعها الأسماء نفسها الواردة في النظاميْنِ: اليوناني والهندوسي الهندي. تلك هي الأسماء نفسها التي يستخدمها نظامنا الغربي الحديث، مثل: برج الحمل وبرج الثور، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فهناك التقسيم إلى اثني عشر منزلاً، يختلف القليل منها نوعًا ما؛ من حيث التفسيرات مع ما يماثلها من عِلم التنجيم الغربي، كما هي الحال في الأبراج الغربية، فكلُّ جِرْمٍ سماوي هو علامة ومنزل، وهو دمجٌ يؤثِّر على معنى ذلك الجرم وأهميته في الخريطة الفلكية.

العلامات والمنازل

بالنسبة لمن يعرف الكثير عن عِلم التنجيم، فدعوني أشرح لكم بإيجاز ما المقصود بالعلامات والمنازل، وكِلاهما يتعلَّقان بالخصائص الفلكية.

إذا نظرتم إلى السماء تلاحظون أن الشمس والقمر والكواكب – فلْنُسمِّها أجرامًا سَماوية – تتحرَّك جميعها في مجموعة مُعيَّنة من الشرق إلى الغرب. وفي الأزمنة القديمة لم يُؤمن الناس بأن الأرض تدور، بل اعتقدوا أن السماء والأجرام السماوية تدور حول الأرض، كما أنهم تصوَّروا أن المجموعة السماوية التي تتحرَّك الأجرام السماوية خلالها – أي مسير الشمس – تُشبه عجلة عملاقة، تتَّجه عكس عقارب الساعة ببطءٍ شديد، ونِصْفُ العجلة تحت الأرض. وإذا استعنَّا بمثالٍ حديث يكون منظورنا أشبه بشخصٍ يقف في وسط عجلة مَلاهٍ عملاقة تتحرَّك ببطءٍ شديد؛ نصفها فوقنا، ونصفها الآخر تحتنا.

وإذا نظرتم إلى هذه المجموعة السماوية على أنها عجلة مَلاهٍ عملاقة تتحرَّك ببطء يمكنكم تقسيم العجلة إلى اثنيْ عشر جزءًا؛ ستة منها فقط تكون ظاهرةً في أي وقتٍ في السماء. وفي كلٍّ من هذه الأجزاء في عجلة الملاهي العملاقة هناك مجموعة بارزة من النجوم، مثل مقاعد عجلة الملاهي العملاقة. ومجموعة النجوم هذه عبارة عن اثنتيْ عشرة علامة على الخريطة الفلكية.

والآن تصوَّروا أن عجلة الملاهِي العملاقة تتحرَّك ببطء داخل مبنًى على شكل كرة عملاقة، وإذا قسَّمْتم المجموعة على طول الحائط الداخلي من الكُرة التي تتحرك فيها عجلة الملاهي العملاقة إلى اثنيْ عشر قسمًا، تكون تلك الأقسام هي الاثنيْ عشر منزلاً، وهي لا تتحرك. وبذلك يكون قسم مجموعة الكرة العملاقة الذي يتحرَّك نحو الأسفل من شرقنا مباشرةً إلى سُدس المسافة حتى الغرب المباشر هو المنزل الأول. أمَّا السدس التالي فهو المنزل الثاني، وهَلُمَّ جَرًّا. في حين أن المنازل الستة الأولى تكون تحتنا – أي تحت الأفق – والمنازل الستة الأخيرة فوقنا. تصوَّروا أن المقعد الأول، وهو برج الحَمَل، يجاور النقطة الواقعة على الجدار الداخلي للكرة العملاقة، مباشرةً في الجهة الشرقية منَّا – الطالع. وتتحرَّك عجلة الملاهي العملاقة ببطءٍ شديد لدرجة أنها تستغرق معها شهرًا لتصل إلى المقعد التالي، وهو برج الثور. وعندما يعود مقعد برج الحمل إلى تلك النقطة على الجدار تكون سَنة كاملة قد مرَّت.

والآن تصوَّروا أن عجلة الملاهي العملاقة، التي تتحرك ببطءٍ عكس عقارب الساعة داخل بناءٍ كُرويٍّ، لها شكل إطارٍ فارغ، وأن هناك تسع كرات تدور داخلها باتجاه عقارب الساعة، كلٌّ منها بسرعة مختلفة، والكرات التسع هي الأجرام السماوية، وتدور كُرة الشمس داخل الإطار في يومٍ واحد، ويستغرق الأمر شهرًا كاملاً لكُرة القمر حتى تُكمل دورتها، وهلمَّ جَرًّا. وهكذا، وفي أي وقتٍ محدد، يقع أحد الأجرام السماوية في علامةٍ معينة وفي منزلٍ معين، ويتغير هذا الموقع باستمرار. وتُشبه خريطة الأبراج صورةً مأخوذةً في لحظةٍ معينة، مثل لحظة ولادة شخصٍ ما، تُزهر موقع كل جِرمٍ سماوي يدور ضمن مجموعة الخريطة الفلكية التي تتحرَّك ببطء في قسمٍ مُعيَّن في السماء، سواء أكان ذلك فوق الرأس أم تحت الأرض.

وهذا النظام من الأجرام السماوية والعلامات والمنازل هو نفسه في الأنظمة التنجيمية التبتية-المنغولية، والهندوسية الهندية واليونانية القديمة والغربية الحديثة. لكن، وبخلاف الأخيريْنِ، يقسمُ النظامان الهندي والتبتي-المنغولي كذلك عجلة الملاهي العملاقة لمسير الشمس إلى خريطة فلكية ثانية مُؤلَّفة من سبعٍ وعشرين علامة. وأحيانًا يضعون سبعة وعشرين مقعدًا على عجلة الملاهي العملاقة عِوضًا عن اثنيْ عشر فقط. ويستخدمون الخريطة الفلكية المؤلَّفة من سبعٍ وعشرين علامة أساسًا لحسابات التقويم السنوي والتقويم الفلكي والروزنامة، والتقويم المؤلَّف مِنِ اثنتيْ عشرة علامة بشكلٍ أولي للأبراج.

النجم الثابت وخريطة الأبراج الفلكية

يشترك النظامان الهندي والتبتي-المنغولي بخاصية أخرى تتعلَّق بالخريطة الفلكية، وتختلف بشكلٍ كبير عن النظاميْنِ: اليوناني القديم والغربي الحديث؛ إذ إنهما يستعينان بالنجم الثابت أو خريطة الأبراج الفلكية، في حين يستعين الأخيران بالخريطة الفلكية المدارية. وما حدث بالفعل هو انتقاد الكلاتشاكرا لاستخدام أنظمة التنجيم الهندوسية الهندية لخريطة الأبراج الفلكية ذات النجم الثابت، ومن ناحية أخرى أيَّدوا النظام المَداري. ولكن نبذ التبتيون هذه الخاصية حينما تبنَّوْا نظام خريطة الأبراج الفلكية في الكلاتشاكرا، وعادوا إلى استخدام نظام النجم الثابت، رغم أنه يختلف عن كل الأنظمة الهندوسية الهندية.

وعِوضًا عن شرح التفاصيل المرتبطة بالفروق حول الخرائط الفلكية بين الأنظمة التبتية-المنغولية والكلاتشاكرا والهندوسية الهندية، ويكفي أن نشرح الفرق العام بين الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت والمدارية من حيث الخريطة الفلكية المقسَّمة إلى اثنتي عشرة علامةً، التي تشترك بها كل الأنظمة الأربعة. فالفرق يكون من وضع الأنظمة للمقاعد الاثنيْ عشر على عجلة الملاهي العملاقة، وهل هذه المقاعد تحافظ على ثباتها أم تتحرك ببطءٍ شديد.

تصوَّروا أن عجلة الملاهي العملاقة نفسها مُقسَّمة إلى اثني عشر قسمًا، كُلُّ قسم يحمل اسم علامة واحدة من العلامات. كذلك كل مقعد يحمل اسم علامة واحدة من العلامات. ويضع النظامان التبتي-المنغولي والهندي المقاعد الاثني عشر في المواقع نفسها على عجلة الملاهي العملاقة؛ حيث تبدأ الأقسام التي تحمل الاسم نفسه. ويقع مقعد برج الحمل في بداية قسم برج الحَمَل على عجلة الملاهي العملاقة، ولا يتحرَّك أبدًا من ذلك الموقع. لذلك يستعين عِلم التنجيم التبتي-المنغولي والهندي بخريطة الأبراج الفلكية للنجم الثابت.

يضع النظامان: اليوناني القديم والغربي الحديث مقاعد برج الحَمَل في أي موقع كان على عجلة الملاهي العملاقة؛ بحيث يكون موقع كرة الشمس في اللحظة نفسها من الاعتدال الربيعي في الهند هو لحظة تساوي الليل بالنهار في الطول. ولأن الشمس تعبر مباشرةً فوق الرأس في ذلك اليوم في مدار السرطان يُدعى هذا الوضع للعلامات في السماء: خريطة أبراجٍ فلكية مدارية.

ولغرض مناقشتنا دعونا الآن نترك الاعتبار الخاص بالنظام اليوناني القديم. ففي عام 290 م تقريبًا كانت نقطة الاعتدال تقع في بداية قسم برج الحمل من عجلة الملاهي كما هو ملحوظ في السماء. ومنذ ذلك الوقت وهي تزحف نحو الخلف ببطءٍ شديد، بمعدل درجة تقريبًا في كل اثنتين وسبعين سنة، وتُعرف هذه الظاهرة ببدارية الاعتدال. ويرجع التباين بين الموقع الملحوظ بين برج الحمل بدرجات الصفر وموقع برج الحمل بدرجات الصفر المعروف؛ من حيث الاعتدال الربيعي إلى الحقيقة، التي تقضي أن المحور القطبي للأرض يدور تدريجيًّا في وجهته إلى النجوم "الثابتة" في فترة دوران مدتها 26000 سنة.

تقع نقطة الاعتدال حاليًّا ثلاثًا وعشرين درجة تقريبًا في قسم برج الحوت من عجلة الملاهي العملاقة، مباشرةً خلف قسم برج الحَمَل. وهكذا يضع النظامان اليوناني القديم والغربي الحديث مقعد برج الحمل حاليًّا بين سِتٍّ وسبع درجات في قسم برج الحوت من عجلة الملاهي العملاقة. وفي كل سنة تتحرَّك المقاعد نحو الخلف مسافة صغيرة، وهي تُشير إلى مواقع الأجرام السماوية حَسَب الخريطة الفلكية المَعروفة بالمقاعد، في حين يُشير النظامان التبتي-المنغولي والهندي إلى مواقعهما حسَب الخريطة الفلكية المُعرفة بعجلة الملاهي العملاقة نفسها. وبذلك يُعَدُّ الكوكب الواقع على الدرجة صفر لبرج الحمل من الخريطة الفلكية المدارية واقعًا على الدرجة بين ست وسبع لبرج الحوت من الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت، وبكلمات أخرى ينقص الموقع المداري بثلاثٍ وعشرين درجة.

تكشف مراقبة السماء أن برج الحمل بدرجات الصفر في النظام الغربي يعكس في الحقيقة الموقع المراقَب لبداية مجموعة نجوم برج الحمل سالب عامل البدارية من اثنتين وعشرين وأربع وعشرين درجة. وبما أن النظاميْنِ التبتي-المنغولي والهندي التقليديين لا يعتمدان أبدًا على المراقبة التجريبية لحساب عامل البدارية، ولكنهما يَستمِدَّان مواقع الأجرام السماوية – حَصرًا - من الأنماط الرياضية، فلم يكن من المهم كثيرًا عدم تماثُل المواقع المحسوبة مع المواقع المراقَبة، ولم يكن علماء التنجيم الهنود والتبتيون والمنغوليون التقليديون مُهتمِّين بتأكيد حساباتهم من خلال النظر إلى السماء.

المواقع المراقَبة والمحسوبة للكواكب

عرفت الهند مراصد المراقبة الفلكية بادئ الأمر في القرن السابع عبر الفاتحين المنغوليين، الذين تعلَّموا بناءها من العرب. وقد اختلفت المواقع المراقَبة للأجرام السماوية بشكلٍ كبير عن المواقع المحسوبة تقليديًّا. حتى لو أضاف الهنود ثلاثًا وعشرين درجة إلى المواقع المحسوبة فقد استمرَّت أنماطهم الحسابية في عدم تقديم نتائج دقيقة. وعندما تَعلَّم علماء التنجيم الهنود في ظل الحكم البريطاني في القرن التالي المعادلات الأوربِّيَّة لحساب المواقع الكوكبية، ورأوا أنها أعطت نتائج أكدتها المراقَبة، قرر معظمهم ترك نظام الحسابات الهندوسي التقليدي والتقويمات الفلكية الناشئة عنه، وتبنَّى المصلِحون في سعيهم المواقع المراقَبة والمحسوبة من خلال الرياضيات الغربية، إذا طرحوا ببساطة ثلاثًا وعشرين درجة لترجمتها إلى الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت.

ويشهد عِلم التنجيم التبتي-المنغولي حاليًّا أزمة مشابهة كتلك التي حدثت قبل عدة قرون مع عِلم التنجيم الهندوسي الهندي. وبما أن عُلماء التنجيم التبتيين والمنغوليين أصبحوا مُلمِّين بالنظاميْنِ الغربي والهندي فقد أدركوا أنه رغم أن المعادلات الرياضية للكلاتشاكرا تعطي مواقع للأجرام السماوية، التي تختلف عن تلك التي نشأت في الأنظمة الهندوسية الكلاسيكية، فإنها تستمر في عدم تقديمها صورةً دقيقةً تتماثل مع المراقَبة. وتبقى المسألة الكبيرة في إمكانية أو عدم إمكانية التخلي عن الرياضيات التقليدية، واتِّبَاع مثال المُصلِحين الهندوس، من خلال تبنِّي مواقع الخريطة الفلكية الغربية التي كُيِّفَت لمدارية الاعتدال. ولكل خيار إيجابيات وسلبيات. حتى في يومنا هذا لا يزال الجدل قائمًا بين عُلماء التنجيم الهندوس الهنود.

العلاقة مع الكارما

التعاليم البوذية واضحةٌ جِدًّا في أن عِلم التنجيم لا يتحدَّث عن بعض التأثير القادم من الآلهة في حياتنا، الذين يعيشون في الأجرام السماوية، والذين يتسببون في حدوث كثير من الأمور من خلال قواهم. ولا يتحدَّث عن أن الأجرام السماوية نفسها تُصدِر تأثيرًا فِعليًّا، فمثل هذه الأمور مستحيلة. بل إن البوذية تؤكِّد على أنَّ مواقع الأجرام السماوية في بُرجٍ ما هي مجرد مِرآةٍ لجزءٍ من الإمكانات الكارمية التي يُولَدُ معها المرءُ.

وتعكس عدة مرايا أجزاءً من إمكاناتنا الكارمية، ويكون ذلك على هيئة أنماط. ويمكننا رؤية هذه الأنماط بصورة الأجرام السماوية عند ولادتنا، وكذلك من خلال تركيباتنا الجينية وشخصياتنا وسلوكنا وحياتنا بشكلٍ عامٍّ. وبالنسبة لأي شخص تُعَدُّ كل هذه الأنماط متزامنة. وبكلمات أخرى فجميعها تحدُث في رُزمةٍ واحدة نتيجةً لقوى الكارما المتراكمة من حيواتٍ سابقة. من وجهة النظر هذه لا يَهُمُّ تماثُل المواقع المحسوبة للأجرام السماوية مع ما يُراقَب في السماء. وبذلك فاتخاذ القرار حول إمكانية أو عدم إمكانية الحفاظ على مواقع الأجرام السماوية المحسوبة، من خلال معادلات الكلاتشاكرا التقليدية، أو تَبنِّي المواقع المراقَبة المُتَّفَق عليها في الغرب وتعديل مدارية الاعتدال، ليس مسألةً سهلة، فهو أمر يأخذ جهدًا كبيرًا في البحث والتحليل؛ لتحديد الخيار الذي يُقدِّم معلومات فلكية تتماثل بصورةً أكثر دِقَّة مع حياة الناس.

الأبراج التنبُّئِية

إحدى الموادِّ التي يجب بحثها هي الأبراج التنبئية، التي تتنبَّأ بما قد يحدُث في الغالب خلال فترات مختلفة من حياة الشخص، مثل برج الولادة والتقويم الفلكي. ويشمل الأمر تسعة أجرام سماوية: الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، وما ندعوه في الغرب "العُقدتينِ القَمريِّتينِ: الشمالية والجنوبية". ودعونا نرجع إلى مثال عجلة الملاهي العملاقة التي على شكل إطار، مع تمثيل الشمس والقمر كُرتيْنِ تدوران حول الدرب الداخلي للإطار. يصف هذا مدارَيِ الشمس والقمر، والمداران ليسا متوازييْنِ تمامًا، بل إنهما يتقاطعان في الجانبيْنِ المُتقابليْنِ من الإطار، ونقطتا الالتقاء هما العقدتانِ الشمالية والجنوبية للقمر. وعندما تقع الشمس على إحدى النقطتيْنِ، ويقع القمر على النقطة الأخرى تمامًا، يحدُث الخسوف القمري. ويحدُث الكسوف الشمسي عندما تلتقي الشمس والقمر في أيٍّ من نقطتي الالتقاء. تتناول معظم أنظمة الفلك والتنجيم القديمة العقدتيْنِ القمريتيْنِ على أنها أجرامٌ سماوية، وتدعوها البوذية راهو وكالاغني، في حين تُسمِّيها الأنظمة الهندوسية راهو وكيتو؛ إذ يُعَدَّان الجُرميْنِ السماوييْنِ: الثامن والتاسع.

يَحسُب عِلم التنجيم التنبُّئي التبتي-المنغولي الفترة الحياتية المُتوقَّعة للشخص. وبعدها يَقْسِم فترة الحياة إلى فترات، يَحكُم كلاًّ منها أحدُ الأجرام السماوية التسعة في ترتيبٍ ثابت، وكل جرم سماوي يحكم لفترة معينة – نسبة معينة من فترة الحياة – حسَب حِصَّة ثابتة، وتختلف نسبة كل فترة عن الأخرى. وأنتم تحسُبون الجرم الذي يحكم الفترة الأولى من حياة الشخص، ومن خلال حساب نسبة فترة الحياة التي يحكمها ذاك الجرم تَستمدُّون طول الفترة الأولى. ويمكنكم تقسيم كلِّ فترة إلى فترات فَرعية من الحياة من خلال الحصص نفسها، والمتابعة في التقسيم إلى فروع ثانوية، ومن خلال مقارنة مُدد الفترات في خريطة الولادة للأجرام السماوية التي تحكم فترة معينة والتي تحكم فترة فرعية، وتقسيم الفترة الفرعية، تَستمِدُّون تفسير توقُّع حدوث شيءٍ ما لشخصٍ ما خلال ذلك الوقت.

تشبه الأنظمة الهندوسية الهندية لعِلم التنجيم التنبُّئِي النظامَ التبتي-المنغولي، ولكنها تختلف بشكلٍ كبير في عِدَّة أوجه. فالأنظمة الهندوسية لا تحسُب فترة الحياة. وتحكم الأجرام السماوية التسعة بالترتيب الثابت والحصص نفسها، كما هي الحال في النظام التبتي-المنغولي، ولكن على كل حال، فإن الفترات التي تحكمها الأجرام التسعة يصل عددها إلى 120 سنة. وهكذا، إذا كانت النسبة التي يحكمها أحد الأجرام السماوية هي 10 ? فسيحكم اثنتي عشرة سنة في حياة كل شخص. والفرق الوحيد بين خرائط الناس يكون مع بداية السنوات الاثنتيْ عشرة في حياة الشخص. ومعظم الناس يُتوفَّوْن قبل بلوغ سن الـ120 سنة، وبالتالي فإن تلك المرحلة قد لا تحدُث قبل موتهم. وفي النظام التبتي-المنغولي تحدث كل الفترات التسع في فترة حياة كل شخص، وإذا كانت النسبة التي يحكمها أحد الأجرام السماوية هي 10 ?، وفترة الحياة لا تتجاوز الـ60 عامًا، تكون فترة الجرم السماوي ست سنوات فقط.

الحسابات السوداء وعِلم التنجيم الصيني

إن الحسابات السوداء في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي، التي نشأت من الأنظمة الصينية، تُضيف عِدَّة مُتغيِّرات أخرى إلى عِلم التنجيم التنبُّئي. ويأتي أحد الجوانب من حلقات الحيوانات الاثني عشر: الفأر والخنزير والقرد، وما إلى ذلك. ومن العناصر الخمسة: التراب والماء والنار والخشب والحديد. وعند دمجها تُشكِّل سِتِّين تركيبة، مثل الحصان الحديدي أو النمر الخشبي في المتغير التبتي. يَستبْدِل التقليد المنغولي أسماء العناصر بأسماء الألوان المرتبطة بها، مثل الحصان الأسود أو النمر الأزرق، وتحتوي خرائط الولادة على تركيبات للسَّنة والشهر واليوم، وفترة الساعتيْنِ لوقتِ الولادة. ويمكنكم حساب تركيبة الحيوان-العنصر التي تحكم كُلَّ سنة في الحياة، من خلال مقارنتها بتركيبات الولادة، ويمكنكم أن تَستمِدُّوا معلومات تنبُّئية إضافية لتلك السنة.

تشمل الحسابات السوداء كذلك نظامًا من ثماني تريقرامات وتسعة أرقام لمربعات سحرية. والتريقرام عبارة عن دمج ثلاثة خطوط صلبة أو مكسورة، كما يظهر في الكتاب الكلاسيكي الصيني أي تشينغ (كتاب التغيرات). ونشأت أرقام المربعات السحرية هذه من مربع مُقسَّم إلى تسع خانات، كما هي الحال في لعبة "إكس أو"، وفي كل صندوق هناك رقم، من 1 : 9، ومُرتَّب بطريقة تضيف ثلاثة أرقام بشكلٍ أفقي وعمودي ومائل، وتساوي دائمًا خمسة عشر. من التريقرام وعدد المربعات السحرية لسنة الولادة، يمكنكم حساب التريقرامات المتقدمة والعدد الخاصِّ بكل سَنة من الحياة، مما يعطي معلومات تنبُّئِية إضافية. وكلُّ المعلومات التي تنشأ من الحسابات البيضاء والسوداء تُربَط وتُفسَّر لإنتاج برجٍ تبتي-منغولي تنبُّئِي كامل. ولمزيدٍ من الدقة يمكنكم إضافة المعلومات البيضاء والسوداء من روزنامة أيام وساعات السَّعْد والشُّؤم. وعليكم أن تَزِنُوا كلَّ العوامل التي تؤثِّر على فترة معينة؛ لأنه من منظور متغيرٍ واحد يمكن ألا يكون مواتيًا. في النهاية فتفسيرات الخرائط في عِلم التنجيم التبتي-المنغولي فَنٌّ مُعقَّد.

التنبؤ بفترة الحياة

إن المهارة في التفسير مُهمة أكثر صعوبة؛ لأن الكثير من المشاكل تنبع من النظام. وأحيانًا، وعندما تَحسُبون فترة حياة شخصٍ ما تكتشفون أن هذا الشخص - حَسَب المعادلات الرياضية - كان يجب أن يموت منذ سنوات. في حين يكشف حساب آخر أنه إذا فعل أحدهم كثيرًا من الأفعال الإيجابية يمكنها حينئذٍ أن يُمدِّدَ فترة حياته بنسبة معينة. حتى إن الكثير من الأشخاص كان يجب أن يكونوا مَيِّتين أساسًا. بالإضافة إلى ذلك، فكم شيئًا إيجابيًّا يجب على المرء أن يفعله لِيُمدِّد فترة حياته؟ وهل هناك إمكانيتان فقط: فترات الحياة العادية والمُمدَّدة، أم إذا فعل المرء نسبة بسيطة من الأفعال الإيجابية أو إذا كانت دوافعه غير طاهرة، هل يمكنه تمديد فترة حياته بعض الشيء فقط؟

حتى إن الحالة تُصبح أكثر تعقيدًا عندما تنظرون إلى نصوص مختلف مُعلِّمي التنجيم التبتيين والمنغوليين في أوقات مختلفة من تاريخ تطوُّره؛ إذ يختلف المعلِّمون حول حسابات فترة حياة شخصٍ ما؛ حيث يأخذ بعضهم فترة الحياة الأطول والمثالية ويجعلها 120 سنة، في حين يجعلها بعضهم 100 سنة، والبعض الآخر يجعلها 80 سنة. ويعتمد ذلك على المعلِّم الذي تختارونه. فإن الحسابات المتعلقة بمدى طول الفترة التي سيعيشها الشخص وما سيحدث له خلال حياته تختلف. ولا ندري أيُّها صحيح؟ هل من الأفضل اتِّباع مثال عِلم التنجيم الهندوسي الهندي، وعدم حساب فترة الحياة أبدًا؟ حتى لو فعلنا ذلك فهناك العديد من التقاليد التنجيمية التبتية-المنغولية؛ فالتقويمات التي سحبها كل تقليد تختلف بشكلٍ بسيط. وهكذا تكون هناك تشكيلة أوسع من التنبُّؤات الموجودة التي تتعلَّق بمَجْرى حياة الشخص.

استيعاب الحقيقة

ليس عِلم التنجيم التبتي-المنغولي فريدًا من حيث اختلاف عدة تقاليد بشأنه، كل تقليدٍ يُنتِج خرائط تنبُّئية تختلف عن بعضها بشكلٍ خفيف. وتشترك الأنظمة الغربية والهندوسية الهندية والصينية في هذه الخاصية. وعندما يُدرك الناس هذا الوضع لا يشعرون بالارتياح في أغلب الأحيان. وكونهم لا يشعرون بالأمن فإنهم يُصوِّرون لأنفسهم أنهم يعيشون أفرادًا ثابتين، ويمكن العثور عليهم وراثيًّا، وما سيحدث في حياتهم يُصوِّرونه على أنه موجودٌ وراثيًّا، وأن الأحداث التي سيواجهونها ثابتة. واعتمادًا على هذه البلبلة يرغبون يائسين أن يسيطروا - من خلال فَرْدَانيتهم الموجودة بشكلٍ مُستقلٍّ - على ما سيحدث، أو على الأقل أن يعرفوا ما سيحدث؛ كي يكونوا قادرين على الاستعداد. وعند مواجهة الاحتمالات العديدة لما قد يحدث يشعرون أن حياتهم الفردية الموجودة بشكل ثابت خارج سيطرتهم.

إن الإحباط الذي يعانون منه يشبه تجاوبهم عندما يُعلِّم أحد المعلِّمين التبتيين أو المنغوليين الكلاسيكيات البوذية، ويشرح ذلك أنه من وجهة نظر نظام هذه العقيدة في هذه الكُتَيِّبَات الرهبانية، فهذا يعني أمرًا. ولكن، حسَب كلٍّ من الكُتَيِّبَات الأخرى فهو يعني أمرًا آخر؛ ومن وجهات نظر الأنظمة العقائدية الأخرى يحتمل كلُّ كتيِّبٍ تفسيرًا آخر، وكل تقليد من التقاليد البوذية التبتية-المنغولية الأخرى يَشْرَحه بشكلٍ مختلِف. وبمواجهة هذا العدد الكبير من البدائل يجيب بعض الغربيين: "ولكن، ما الذي يعنيه الأمر حقًّا؟". ولعل الفِكر التَّوْراتي قد أثَّر بصورةٍ غير مباشرة عليهم – إله واحد وحقيقة واحدة – حتى إنهم يُصوِّرون لأنفسهم وجود حقيقة فردية وراثية لما يعنيه التعليم بالضبط، وهم يتناولون معلومات عِلم التنجيم بالطريقة نفسها التي ينظرون بها إلى الإجابات القطعية عمَّا سيحدث.

إذا تصورنا أن الواقع موجود بهذا النمط المستحيل فسيصيبنا شعورٌ بخيبة الأمل والإحباط تجاه المعلومات التي نكتسبها من عِلم التنجيم التبتي-المنغولي. ولاكتساب أي شيءٍ منه علينا النظر إلى المعلومات من وجهة نظر مختلفة تمامًا، أي من وجهة نظر التعاليم البوذية حول الكارما والبُطلان. وتُعرِّف المعلومات التنجيمية السمسرا أنها الولادة الجديدة ومَجْرَى كل حياة، وتحدث خارج إطار السيطرة في ظِلِّ تأثير الكارما. ولتحرير أنفسنا من هذه الحلقة المُفرَغة علينا أن نفهم البُطلان، أي: حقيقة أن كُل شيء، بما في ذلك شخصياتنا والأحداث التي تجري في حياتنا، تخلو من الطُّرُق المستحيلة للوجود. لذلك علينا أن نفهم الكارما والبُطلان.

إمكانات الكارما مقابل الجبرية

فَسَّرَ كايدروبجي الأمرَ، وهو مُعلِّمٍ تبتي كبير، بشكلٍ جميل؛ إذ كتبَ في تفسيره للكلاتشاكرا تانترا أنه إذا كشف عِلم التنجيم كل المعلومات المتعلقة بشخصٍ ما لَكان الإنسانُ والكلب اللذانِ وُلدا في المكان نفسه وفي الوقت نفسه يتمتَّعان بالشخصية نفسها، وفترة الحياة نفسها، والأمور نفسها التي تحدث لهما خلال حياتهما. ومن الواضح أن تلك ليست هي القضية. فالسبب هو عدم تقديم عِلم التنجيم كلَّ المعلومات حول الشخص. ويؤثِّر الكثير من العوامل الأخرى على مَجرى حياة الفرد، وتنبع التأثيرات من شبكات الأسباب والنتائج الضخمة، فتُسبِّب الكارما وقوانين السبب والنتيجة السلوكية خِبراتٍ في كلِّ مرةٍ نُولَدُ فيها. وتعطي خريطة تنجيمية، دون التَّطرُّق إلى مدى دقتها أو ثقافتها، فهي مجرد صورة صغيرة لجانبٍ واحد من نمطٍ واحد للكارما التي لدينا. وقد تكون هناك ترجيح كبير أن بعض الأحداث ستجري وفقًا لتلك الخريطة، لكنكم لا تستطيعون تجاهل أقل الترجيحات احتمالاً؛ بأن أمورًا أخرى قد تحدث، بالإضافة للأحداث الأولى أو بدلاً منها. ومن خلال نَسْفِ الطريقة المستحيلة للوجود نتغلَّب على عاداتنا المحفورة في أعماقنا التي تجعلنا نتصوَّر وجودنا الفردي ثابتًا، ونعرف ما سيحدث حَقًّا، وبذلك يكون تحت السيطرة دائمًا.

فَكِّروا بالمعلومات التي نستخلصها من التقاليد الطبية المختلفة. ويصف الطِّبُّ الغربي الجسمَ بأنه شبكة مُعقَّدة من أنظمة مختلفة: الدورة الدموية والأعصاب والجهاز الهضمي، وما إلى ذلك. في حين يصف الطب التبتي-المنغولي أنظمة من التشاكرات ومحطات الطاقة. أمَّا الطب الصيني فيُحدِّد خطوط الطول ونقاط الوخز بالإبر. وإذا اعترضتم وسألتم: "ولكن، أيُّهما صحيح؟ أيُّ نظام يصف ما يحدث فعلاً في الجسم؟" فسيكون علينا أن نجيب: كُلُّها صحيحة. ويقدم كلُّ نظام معلومة صحيحة حول الجسم تتيح علاجًا طبيًّا ناجحًا.

والأمر نفسه صحيح بالنسبة لعِلم التنجيم، فتُنتج الأنظمة الغربية التي تعتمد الخريطة الفلكية المدارية مجموعة واحدة من المعلومات، في حين يُعطي النظامان: الهندوسي الهندي والتبتي-المنغولي، اللذان يعتمدان الخريطة الفلكية للنجوم الثابتة، نتائج مختلفة. ويعطي عِلم التنجيم الصيني التقليدي معلومات إضافية، في حين تُقدِّم الحسابات السوداء ذات المنشأ الصيني، التي يستخدمها التبتيون والمنغوليون مسائل مختلفة. وفي إطار التقاليد التنجيمية التبتية-المنغولية إذا استخدمتم أنظمة تحسُب فترات حياة قصوى من 120 أو 100 أو 80 سنة، فستحصلون على ثلاث صور مختلفة لما قد يحدث خلال مجرى الحياة. وطريقة التعامل مع كل هذه المعلومات التي تبدو متضاربة هي إدراك أن كل نظامٍ يصف تكوينًا كارميًّا محتمَلاً واحدًا، مع احتمال معين بأنه قد يحدُث حَقًّا.

ولكلٍّ منا إمكانات لعددٍ ضخمٍ من التكوينات الكامرية، وبالتالي عدد ضخم من الحيوات المُمكنة التي يمكن أن نعيشها. وليس التوجُّه من حيث محاولة معرفة ما سيحدث قطعًا في الغد، كما نقول مثلاً: هل أشتري المزيد من الأسهم في البورصة غدًا؟ هل سيكون يوم حظي؟ إن التوجُّه المناسب يكون من حيث عمليات توظيف احتماليَّة الحدوث. فإذا كشفت خريطتنا أنَّنا قد مُتْنَا - افتراضًا - من عشر سنوات فإنَّ ذلك يمنحنا فكرةً ما بأننا جمعنا الكارما الخاصة بنا لنحيا حياةً قصيرة، وذلك احتمال واحد لموروثنا الكارمي. لكن ما ينضج في فترة حياةٍ معينة يعتمد على الظروف والحالات. فَكِّروا بالعدد الضخم من الناس الذين يموتون في كارثة طبيعية مثل هِزَّة أرضية، أو قنبلة نووية. فبالطبع لا يُشير بُرج كل شخص إلى أنه سيموت في ذلك اليوم. والظروف والحالات الخارجية غير المُشار إليها في الخرائط تُؤثِّر على ما يحدث.

لذلك تُشبه الخريطة التنجيمية تقرير حالة الطقس؛ فهي تُعطِي صورةً عما سيحدُث في الغالب، ولكنها صورة قد لا تتحقَّق في الواقع. ومن المُحتمل أنها ستمطر اليوم، لذا نحمل مِظلَّةً احتياطًا. وإذا تبين أنها لن تمطر فلن يكون هناك أي ضرر. وعلى نحوٍ شبيه، إذا أشارت أبراجنا إلى أننا سنلتقي بحُبِّنا الحقيقي هذا اليوم فسننجح في العمل، أو ما شابه ذلك، وإذا كُنَّا مُدركين لهذا الأمر بأنه احتمالٌ قوي فسنبقى جاهزين لتلقِّي الفُرَص التي قد تظهر هذا اليوم، وإذا لم يحدث شيء نُذكِّر أنفسنا بأنه لا يوجد شيء حَتميٌّ أبدًا في الأبراج.

تنقية الكارما

إذا رغبنا في تنقية أنفسنا من كل الخرائط التنجيمية المُحتمَلة، التي هي في النهاية هدفُ الدراسة البوذية لعِلم التنجيم، فإن علينا أن نحاول تعلُّمَ دروس الدارما من خرائطنا؛ فقد نتعلَّم مثلاً أنَّ علينا في كل الحالات أن نكون مُنفتحين ومُتقبِّلين للفُرَص الجيدة، وأن نكون حذِرين في وجه المخاطر والنَّكَسَات، وإذا كانت خرائطنا تشير إلى أننا يجبُ أن نموت عندما كُنَّا في سن العاشرة، ولكننا - كما هو واضح - لم نمت حينها، فمن شأن ذلك أن يجعلنا نُفكِّر في الأسباب الكارمية للحياة القصيرة. فالموت في سِنٍّ صغيرة ينتج من قتل الآخرين أو إلحاق الضرر بهم. حتى لو لم تنضج هذه النتائج الكارمية في فترة حياةٍ واحدة فنَتذكَّر أننا قد جمعنا مثل هذه الكارما، وأننا على الأرجح لدينا الميول لتجميع المزيد. فعلى سبيل المثال، قد نضرب الذُّبَاب بغفلة، معتقدين أن التفكير بذلك لا يهم. إن فترة الحياة القصيرة الواردة في خرائطنا يمكن أن تُوحي لنا بالعمل على تنقية أنفسنا من هذه الميول.

إحدى النقاط المهمَّة التي نتعلَّمها من الأبراج التبتية-المنغولية إذًا هي التعامل مع الأسباب الكارمية العينية داخل أنفسنا، وليس التأكيد هنا على محاولة معرفة ما سيحدث قطعًا في تاريخ كذا وكذا في حياتنا. وتجعلنا الدراسة نتحمَّل مسئولية أكبر، عِوضًا عن تحمُّل مسئولية أقل. وإذا كان كل ما يحدث مُقدَّرًا فما نفعله الآن لن يحمل أي تأثير، ولا يمكننا أن نُؤثِّر على أي شيءٍ يحدث لنا. ومن ناحيةٍ أخرى، فعندما نرى أن احتمالات معينة بخصوص ما قد يحدث، وليس بالضرورة أنه سيحدث، فإننا نُحاسَب على الخيارات التي نُقرِّرها. فبدلاً من تضييق معرفة المعلومات التنجيمية لأفقنا؛ بحيث تبدو شخصياتنا ومجريات حياتنا وتفاعل الآخرين معنا ثابتة ولا تتغير، يقودنا فَهمنا إلى الاستنتاجات العكسية. ونحن نرى أن كل ما يحدث يَنتُجُ بشكلٍ مُستقلٍّ من الأسباب والظروف التي لا حصر لها، وأنَّ ما نفعله يُساهم في مجريات حياتنا.

قد يبدو النظام التنجيمي التبتي-المنغولي مُعقَّدًا، لكنَّ الحياة أعقد منه بصورةٍ غير محدودة، وتُؤثِّر الكثير من المتغيرات على ما يحدث أكثر ممَّا يمكن أن تمثله بضعة أجرام سماوية وعلامات ومنازل وعناصر وتريقرامات وأعداد المربع السحري. مع يقظة المتغيرات التي لا حصر لها، التي تؤثِّر على ما يحدث لنا في الحياة، تبدأ آراؤنا الثابتة المرتبِكة في العالم والحياة وفي أنفسنا وفي الآخرين في التراخي، وهذا التراخي يفتح الطريق لنكون قادرين على رؤية البطلان من حيث النشوءُ المستقلُّ. ومجريات حياتنا تخلو من الوجود بصفتها أشياءَ تنشأ مُستقلَّةً ثابتة لا تتغير، بل إنها تحدث بشكلٍ مستقلٍّ على ملايين العوامل، وتعكس المعلومات التنجيمية ومعلومات الأبراج فقط جزءًا يسيرًا من المتغيِّرات ذات التأثير. ورغم ذلك، ومن خلال كشف بعض الأحداث المُحتمَلة ذات الترجيح العالي للحدوث، فقد تُساعدنا على البقاء مُتنبِّهين للكارما والبُطلان والنشوء المستقلِّ. وعلى ضوء ذلك فإن كون المعلومات التي نحصل عليها من عِلم التنجيم التبتي-المنغولي حقيقةً كثيرًا ما تكون غير دقيقة، هو أمرٌ مُساعدٌ في الحقيقة؛ إذ إنه يُبيِّن لنا أنَّ الحياة ليست ثابتة أو غير متغيِّرة، والعديد من نضوجات الكارما مُمكنة.

أسئلة وأجوبة

سؤال: تُحسَب السنة التبتية-المنغولية اعتمادًا على القمر، والسنة الغربية اعتمادًا على الشمس. فما الفَرْقُ؟

جواب: يَدمِج التقويمان التبتي والمنغولي الخصائص القمرية والشمسية، وحَسَب التعريف البوذي فالوقتُ مقياس التغير. ويمكنكم تسمية السنة والشهر واليوم اعتمادًا على قياسات مختلف حلقات التغير. ويقيس التقويمان التبتي والمنغولي الشهر بدايةً من الهلال. وهناك اثنتي عشرة حلقة من الأقمار المكتملة، وبكلمات أخرى: أشهر قمرية، ومجموعها يقل عن السنة الشمسية، وهي قياس الفترة التي تستغرقها الشمس لإكمال حلقتها، والعودة إلى النقطة نفسها على الخريطة الفلكية. وبما أن للتقويميْنِ التبتي والمنغولي أشهرًا قمرية وسنوات شمسية، فإنهما يحتاجان إلى توفيقٍ ما ليتناسبَا.

وكما أنَّ للتقويم الغربي سنةً كبيسة، وهي التي تزيد يومًا كلَّ أربع سنوات للتعويض من أجل سنة قمرية لا تتألَّف من عددٍ صحيح من الأيام القمرية؛ فكذلك يحتوي التقويمان التبتي والمنغولي على خصائص "كبيسة" لملاءمة الأشهر القمرية مع السنوات الشمسية. وأحيانًا يزيدان شهرًا كبيسًا إضافيًّا، وفي أحيان أخرى يضاعفان أو يزيلان تواريخ محددة؛ وذلك لجعل الهلال والقمر المكتمل يقعان في تاريخٍ مُحدَّد من الشهر القمري. المعادلات والقوانين الرياضية مُعقَّدة جِدًّا.

سؤال: ما منشأ خريطتَيِ الفلك: خريطة العلامات الاثنتي عشرة والعلامات السبع والعشرين؟

جواب: نشأت خريطة الفلك ذات العلامات الاثنتي عشرة من أبرز مجموعات النجوم في الأفق الشرقي عند ارتفاع الشمس في وقت ظهور الأَهِلَّة في السنة. أمَّا خريطة الأبراج ذات العلامات السبع والعشرين - وفي بعض الحسابات عددها هو ثمانٍ وعشرون- فقد نشأت من أبرز مجموعات النجوم في الأفق الشرقي عند ارتفاع القمر كلَّ ليلةٍ من الليالي السبع والعشرين أو الثماني والعشرين من هلالٍ واحدٍ إلى آخر.

سؤال: هل يُفرِّق عِلم التنجيم التبتي-المنغولي بين الولادة في نصف الكرة الشمالي وبينها في نصف الكرة الجنوبي؟

جواب: لا، لا يُفرِّق بينهما. إن عِلم التنجيم التبتي-المنغولي لا يفتقر إلى خاصية التعويض عن الولادة في نصف الكرة الشمالي أو الجنوبي فحَسْبُ؛ بل إنه لا يأخذ بعين الاعتبار الأماكن المختلفة للولادة، أو المناطق الزمنية المختلفة داخل نصف الكرة الشمالي. ومرة أخرى يطرح ذلك السؤال التالي: هل في الإمكان تعديل النظام وإضافة هذه الخصائص، كما فعل النظام الهندوسي الهندي التقليدي؟ أم أنَّ الأمر لا يهم في الحقيقة؟

رأيتُ أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحثٍ موسع. وبرنامج الحاسوب، الذي طَوَّرتُه مع زميلٍ لي لحساب بعض الخصائص البيضاء لأوسع التقويمات السنوية والفلكية التبتية استخدامًا، يُوجِدُ الوسائل الأساسية لمباشرة المشروع. والخطوة التالية هي إضافة موادِّ حسابات سوداء، وبرمجتها داخل الحسابات بالنسبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:34 pm

العلوم الفلكيَّة التبتيَّة

1 مبادئ رئيسة


مجال العلوم الفلكية التبتية

تتناول العلوم الفلكية لبناء التقويم وعِلم الفلك وعِلم التنجيم والرياضيات جوانب عديدة من الحياة التبتية؛ إذ تمتد تقاليدها من التبت إلى ما يُسمَّى بمنغوليا الخارجية والداخلية، ومنشوريا وتركستان الشرقية، والجمهوريات الروسية: بورياتيا وكالميكيا وتوفا. إضافةً إلى كل المناطق الأخرى الواقعة تحت التأثير الثقافي التبتي في جبال الهمالايا وآسيا الوسطى والصين الحالية. ولهذه العلوم دور شديد الأهمية في التقليد الطبي التبتي؛ حيث يجب على كل طلاب الطب أن يصلوا إلى مستوى معين في تعلم العلوم الفلكية، رغم أن طلاب الفلك غير مُلزَمين بدراسة الطب.

يعرض موضوع المعرفة حسابات التقويمات الفلكية للتوصل إلى موقع الكواكب، إضافة إلى حسابات خاصة ببناء التقويم السنوي والتنبؤ بحالات الكسوف، كما أنه يشكل الحسابات التنجيمية للأبراج الشخصية، وللمعلومات التي يمكن التوصل إليها في الروزنامة السنوية، فيما يخص تحديد أيام السعد وأيام الشؤم للبدء في نشاطات مختلفة مثل زراعة المحاصيل. وهذا مجالٌ واسعٌ جدًّا من الدراسة.

هناك قسمان من الحسابات: البيضاء والسوداء. والأبيض والأسود رمزان للمواد ذات المنشأ الهندي والصيني، وفقًا للون السائد للملابس التقليدية التي كانت تُلبَس في كل دولة. كما هي الحال بالنسبة للطب التبتي. ويشترك عِلم التنجيم التبتي في جوانب تتشابه مع تلك الموجودة في الهند الهندوسية والصين، غير أنها خضعت للتعديل والخلط، واستُخدِمَت بطرقٍ شتى لتشكل النظام التبتي المميز.

السياق الفلسفي

تختلف السياقات الفلسفية للعلوم الفلكية كثيرًا في العالم الهندوسي الهندي عنها في العالم البوذي التبتي والعالم الكونفشيوسي الصيني. ينشأ السياق التبتي من "الكلاتشاكرا تانترا"؛ حيث إن "كلاتشاكرا" تعني "حلقات الزمن". في هذه التانترا يقدم بوذا نظامًا من حلقات خارجية وداخلية وبديلة، تتعامل الحلقات الخارجية مع حركة الكواكب عبر السماوات والحلقات أو التقسيمات المختلفة للوقت، الذي تقيسه هذه الحلقات؛ من حيث السنوات والأشهر والأيام وما إلى ذلك، في حين تتناول الحلقات الداخلية حلقات الطاقة والأنفاس عبر الجسم. أما الحلقات البديلة فتتألف من ممارسات تأمُّلية مختلفة لنظام التانترا الذي يتضمن شخص بوذا الذي يُدعى كلاتشاكرا، والذي يُستخدَم للتحكم بالحلقتيْنِ السابقتيْنِ أو تطهيرهما.

تتوازى الحلقات الخارجية والداخلية للوقت مع بعضها البعض، وتحدث نتيجةً لنبضات خارجية جماعية وداخلية فردية من الطاقة (كارما). وبتعبير آخر هناك نبضات معينة من الطاقة ترتبط بنا جميعًا، وتُسيِّر الحلقات الكوكبية والجسمية الإنسانية. وبما أن الطاقة والحالات الذهنية ترتبطان ببعضهما البعض بشكلٍ قريب، فيمكننا اختبار الحلقات بطريقة مُزعجة أو غير ذلك. ومن خلال ممارسات الكلاتشاركا نعمل للتغلب على كَوْننا تحت تأثير حالاتٍ خارجية وداخلية متكررة لا سيطرة لنا عليها (سامسارا)؛ بحيث نتمكن من إدراك إمكاناتنا الكاملة لإفادة كل شخص قدر الإمكان، دون أن ترسم لنا تلك الحالات حدودًا أو تسبب لنا إزعاجًا.

وفي كثيرٍ من الأحيان يخضع الناس لتأثير أبراجهم الشخصية، أو إنهم يتأثَّرون بصورةٍ خارجة عن السيطرة بتغيرات الفصول والطقس ومراحل تبدُّل القمر، أو بموقعهم في مراحل حياتهم المختلفة، مثل: الطفولة والبلوغ والسن المتقدمة، وما إلى ذلك. كما أنهم غالبًا ما يخضعون لتأثير حلقات الطاقة داخل أجسامهم، فعلى سبيل المثال دورة الحيض أو البلوغ من خلال انقطاع الطمث، فهذه الأمور يمكن أن تسبب للناس تقييدات كبيرة. ويعطي نظام الكلاتشاكرا إطارًا تأمُّليًّا يمكننا من خلاله أن نتغلب على كوننا تحت سيطرة هذه التأثرات، لنتغلب بالتالي على القيود التي تفرضها علينا، وبذلك نكون قادرين على مساعدة الآخرين لأقصى درجة. ويقدم النظام البوذي التبتي عِلمَ الفلك وعِلمَ التنجيم داخل هذا الإطار الفلسفي العام، وهو يختلف كثيرًا عن الإطار الفيدي الهندوسي، الذي يتعلم فيه الطلاب هذه العلوم لحساب الوقت وممارسة الطقوس الفيدية.

في الفِكر الصيني الكلاسيكي يتوجَّه المرء إلى عِلم الفلك وعِلم التنجيم بغية الحصول على شرعية سياسية وممارسة الحُكم. وتصوِّر الفلسفة الكونفشيوسية الإمبراطور على أنه الوسيط بين السماوات والأرض. إذا سار الإمبراطور والبلاط الملكي والحكومة حسب الفصول والتقويم، وبانسجامٍ مع المبادئ العامة للتغير في قوى الكون، فسوف يسير كل شيءٍ على ما يرام في الإمبراطورية. ومن الواضح أنهم يملكون "وصايةً على السماء". ويُسبِّبُ خروجهم من مرحلةٍ ما كوارث طبيعية، ويعني أنهم فقدوا شرعيتهم السياسية. لذلك يُعَدُّ ضروريًّا معرفةُ مواقيت الفصول الدقيقة وتدفق القوى التنجيمية الكونية من أجل الحفاظ على الانسجام والقوة السياسية.

وهكذا يختلف السياق الفلسفي الصيني لعِلم الفلك وعِلم التنجيم بدرجة كبيرة عن الإطار البوذي التبتي؛ حيث إن هدفه الرئيس كان سياسيًّا. ولم تظهر الأبراج الشخصية في الصين حتى القرن الثامن الميلادي تقريبًا، وكان ذلك في الغالب نتيجةَ التأثير البوذي.

الحسابات البيضاء

الموادُّ ذات الأصل الهندي في العلوم الفلكية التبتية تنشأ مبدئيًّا من مصدريْنِ: "الكلاتشاكرا" أو "تانترا حلقات الزمن" البوذية بشكلٍ عيني، و"السفارودايا" أو "تانترا الصعود من العِلة"، التي تضم مواد مقبولة من الهندوس والبوذيين.

فبالنسبة للنقاش حول الحلقات الخارجية للزمن فإنَّ الكلاتشاكرا تانترا تُقدِّم قوانين حركة الكون وحسابات التقويمات الفلكية والتقويمات السنوية والروزنامة. وهناك مجموعتان من المعادلات الرياضية تنشآن من ذلك، وهما: السيدانتا أو نظام العقيدة الكاملة الذي فُقدَ قبل وصولها إلى التبت، والكارانا أو نظام الخُلاصة.

فبين القرنيْنِ الخامس عشر والسابع عشر أعاد العديد من المعلمين التبتيين بناءَ نظام العقيدة الكاملة. حتى عندما فضَّلَت بعض السلالات التبتية نظام العقيدة الكاملة كانوا يستخدمون نظام الخُلاصة لحساب حالات الكسوف والخسوف؛ لأنها تُقدِّم نتائج أفضل.

أما المصدر الآخر للمواد الفلكية ذات الأصل الهندي، وهو تانترا الصعود من العِلة - التي تُعرف كذلك بـ اليوداجايا أو تانترا النصر في المعارك - فهي التنانترا الهندوسية الشافيتية الوحيدة التي تُرجمَت إلى التبتية، والتي تضم مجموعة التينغيور للتفاسير الهندية. إن الخاصية الرئيسة التي تنبع منها هي طرح الأبراج الشخصية التنبُّئِية. ففي عِلم التنجيم الغربي يكون التأكيد الرئيس في البرج الفردي على النظر إلى وضع الولادة، ومنه إلى تحليل الشخصية ووصفها. ولا يُعَدُّ ذلك اهتمامًا كبيرًا في الأنظمة الهندية، ولا في الأنظمة الهندوسية أو البوذية، رغم أنها تتطرق إليه. وأخيرًا فما يهم في الأكثر هو رسم خريطة لما تُسفِر عنه حياة الشخص.

الأبراج التنبُّئِية

تحسبُ التقاليد الفلكية الهندية كلها حياةً ما وتُحلِّل مجراها؛ وهناك تسعة أجرام سماوية متعاقبة تحكم فترات هذه الحياة، فيحسب النظام البوذي فترة الحياة من وقت الولادة وموقع قمر الولادة، ثم يقسمها إلى تسع فترات حسب معادلات معينة. أما الصيغة الهندوسية فلا تأخذ فترة الحياة بعين الاعتبار، بل إنها تقسم الفترات حسب قاعدة أخرى. وفي كِلتا الحاليْنِ يُفسِّر عُلماء التنجيم كل فترة من خلال علاقتها بالكوكب الذي يحكمها، وخريطة الولادة والمرحلة السِّنِّية التي تجري فيها.

ورغم أن عِلم التنجيم البوذي يحتوي على حسابات لفترات حياة الناس، إلا أنه ليس نظامًا حتميًّا من القدر المحتوم، كما أنه يوفر معادلات لحساب إطالة العمر في حال أدائنا لأعمال صالحة وأفعال بَنَّاءة. ويحسب نظام الكلاتشاكرا الأصلي في الهند فترة الحياة التي يمتد أقصاها إلى 108سنة، في حين تؤكد الأنظمة الهندوسية على فترة أقصاها 120 سنة. في التبت تقلَّصت الـ 108 إلى 80 سنةً؛ لأن معدل فترة الحياة حسب التعاليم البوذية ينخفض إلى أقصى درجة. في القرن التاسع عشر عدَّل مُعلِّم النيِنغما ميبام حساب فترة الحياة؛ بحيث يكون أقصاها 100 سنة. بالإضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن السن القصوى المؤكدة، يحتوي النظام التبتي على أربع طرق مختلفة لحساب فترة الحياة. وبذلك يكون لكل شخص عدة فترات حياة مُحتمَلة. فنحن نُولد وبداخلنا الكثير من طاقات الكارما المختلفة التي يمكن أن تنضج.

وعندما نتحدث عن شخصٍ له فترة حياةٍ عينية، يمكن أن تنشأ ظروف قاهرة تُطيل فترة الحياة أو تُنقصُها. فإذا كان أحدهم يعاني من مرضٍ لا شفاء منه، فقد لا يكون هذا الشخص يتمتع بالاحتمال الكارمي للشفاء. ورغم ذلك فمن شأن الصلوات والاحتفالات الطقسية للاما الأكبر أن تسلك سلوكَ ظرفٍ لجعل الاحتمال الإيجابي المدفون داخلنا ينضُج بصورةٍ لم تكن لتظهر في هذا العمر. وعلى نحوٍ شبيه إن من شأن حدث خارجي، مثل هزة أرضية أو اشتعال حرب، أن يوفر ظرفًا لجعل الإمكانات السلبية المدفونة داخلنا تنضج بصورةٍ لم تحمل تأثيرًا في هذه الحياة. في مثل هذه الحال يمكن أن نموت - كما يُقال - "الموت قبل الأوان". في حالةٍ أخرى إذا لم تكن لدينا الإمكانات المدفونة داخلنا، فإن الظرف الدراماتيكي في هذا العمر لن يحمل أي تأثير. فالطقوس الخاصة لا تعود بالفائدة على بعض الناس، وبعض الأفراد ينجون من الهزة الأرضية.

إذًا البُرج التبتي عبارة عن تنبؤ عام لما يمكن أن يحدث للمرء في حياته، وليس هناك ضمان بأن حياتنا ستتكشف فعلاً بتلك الطريقة. وهناك احتمالات أخرى كذلك؛ لأن عِلم التنجيم يستطيع التنبؤ بفترات حياة أخرى أيضًا. كل احتمال يُشبه مستوى كميًّا. كلها عملية - اعتمادًا على أفعالنا وممارساتنا - إلى جانب الظروف الخارجية القاهرة. وما يحدث في حياتنا يعتمد على الإمكانات الكارمية التي جمعناها من أفعال سابقة في هذه الحياة أو في حياة سابقة. وإلا لَكان الإنسان والكلب اللذان يولدان في اللحظة نفسها وفي المكان نفسه يعيشان حياتين متطابقتين.

إن الهدف الرئيس من البرج التبتي هو تنبيهنا إلى وجود مسارات مُحتمَلة لحياتنا قد نعيشها. وذلك بصرف النظر عن كونها الحالة التي تعتمد علينا. ورغم أن لدينا الكثير من الإمكانات فإنَّ معرفة مجموعة واحدة من الأبراج تبقى كافية لتُلهمنا استغلال حياتنا الإنسانية الثمينة لبلوغ الهدف الروحي. وضمن سياق الكلاتشاكرا نناضل للتغلب على كل العوائق الكارمية التي تمنعنا من أن نكون قادرين تمامًا على مساعدة الآخرين. والتأمل بمعاناتنا يساعدنا على تطوير عزمنا لنكون أحرارًا (نكران الذات)، إلى جانب الرحمة بالآخرين. وعلى نحوٍ مشابه، فإن التفكر بالمعاناة التي قد نعيشها في حياتنا كما يُجمِلُها بُرجنا يمكن أن تساعدنا على طول دربنا الروحية. إذًا فالبُرج التبتي يمكن أن يكون وسيلةً بارعة لمساعدة المهتمين بعِلم التنجيم للتقدم دائمًا. وليس البُرج التبتي مرهونًا بتوقعات مستقبلٍ حتمي وحقيقي في الجوهر أبدًا.

مقارنة مع أنظمة تنجيمية أخرى

يشترك نظام الحساب الأبيض - رغم قاعدته الهندية العامة – في خصائص معينة مع الأنظمة الفلكية اليونانية القديمة. ولعل أبرز مثالٍ هو تقسيم دولاب الأبراج إلى اثنتي عشرة علامة ومنزلاً، تحمل الأسماء نفسها التي تحملها العلامات التي يستخدمها النظام الغربي الحديث، ولكن بترجمةٍ تبتية. وبذلك تُرتب أبراج الولادة الكواكب ضمن علاماتٍ ومنازل، في حالٍ أشبه ما تكون بالخريطة الغربية. غير أن أسلوب التفسير يختلف جِدًّا؛ ففي الرسم الهندوسي يُستخدَم نظام متساوي المنازل؛ حيث تُتجاهَل الزوايا بين الكواكب، ولا يُعَدُّ الصعود نقطة جديرة بالملاحظة.

يُعَدُّ دولاب الأبراج الحزامَ الذي تدور عبره الشمس والقمر والكواكب حول الأرض في رسم مركز الأرض. وبالنسبة لمعظم الحسابات فإنَّ هذا الحزام يُقسم إلى سبعة وعشرين قصرًا أو مجموعة أبراج قمرية عوضًا عن تقسيمه إلى اثنتي عشرة علامة. ولا يظهر هذا الرسم في الأنظمة اليونانية القديمة أو الغربية الحديثة، لكنه يشترك مع الأنظمة الهندوسية الكلاسيكية. فأحيانًا تُحدَّد ثماني وعشرون مجموعة من الأبراج، وبينما يقسم النظام البوذي دولاب الأبراج إلى ثماني وعشرين حصة متساوية، فإن النظام التبتي يقسم حصة من أصل سبعٍ وعشرين حصة متساوية إلى اثنتيْن.

يردُ نظام الثماني والعشرين مجموعة من الأبراج القمرية في عِلم الفلك الصيني القديم؛ حيث إن التأكيد هناك على نجم الشمال بصفته مركز السماوات، هو مثل إمبراطور الصين. أما القصور فمثل الوزراء، تدور حوله بمحاذاة نجم الاستواء، لتُشكِّل كُتلاً نجمية تختلف بعض الشيء عن الكُتل الموجودة في القصور الهندية العامة. بالإضافة إلى ذلك فإن مجموعات الأبراج الصينية الثماني والعشرين لا تُشكل تقسيمًا متساويًا في السماء.

ويتناول نظام الكلاتشاكرا عشرة أجرام سماوية، تدعو جميعها باسم "كواكب". أول ثمانية كواكب هي الشمس والقمر والمريخ وعطارد والمشتري والزهرة وزحل ومُذنب، وهذا الأخير ليس مُستخدَمًا في الأبراج. أما الجُرمان السماويان فيُمكن أن يُشار إليهما بكوكبيْ عُقدتَي القمر الشمالية والجنوبية.

رغم أن مدارَيِ الشمس والقمر يقعان في حزام دولاب الأبراج، إلا أنهما يتقاطعان مع بعضهما البعض، وتُعرف نقطتا التقائهما بعُقدتَيِ القمر الشمالية والجنوبية. ومع كل هلال قمري قلَّما تقترن الشمس بالقمر، أي في الموقع نفسه. ويحدث الاقتران فقط إما في العقدة الشمالية وإما في العقدة الجنوبية؛ حيث يتقاطع مداراهما، يكون الاقتران دقيقًا ويحدث كسوفٌ شمسي. بعد البدر القمري تكون الشمس والقمر في موقعيْن متقابليْنِ. وعندما يحدث ذلك مع اقتران أحدهما مع العقدة الشمالية والعقدة الجنوبية الأخرى يكون التقابُل دقيقًا ويحدث خسوفٌ قمري.

يصور النظامان الهندوسي الكلاسيكي والكلاتشاكرا العقدتيْنِ الشمالية والجنوبية للقمر بأنهما كوكبان، في حين لا يفعل النظام اليوناني القديم ذلك. يفسر كِلا النظاميْنِ الهنديِّيْنِ حالات الكسوف الشمسية بأنها حالات اقتران الشمس والقمر مع الكوكبيْنِ العقدييْنِ.

يدعو نظام الكلاتشاكرا كوكب العقدة الشمالية باسم راهو، الذي يعني حرفيًّا "المتذمر"، أو كوكب رأس التنين، ويدعو كوكب العقدة الجنوبية باسم كالاغني، الذي يعني "نيران الزمن"، أو كوكب ذنَب التنين. ورغم أن الأنظمة الهندوسية تدعو الأول باسم راهو، إلا أنها تدعو الأخير باسم كيتو، الذي يعني "الذنَب الطويل"، ويشير ذلك إلى كونه ذنَب التنين. وحَسَب الأساطير الهندية العامة فإن ما يُدعى بـ"التنين" يلتهمُ الشمسَ أو القمر خلال الكسوف. ولكن في الكلاتشاكرا يُعَدُّ كيتو اسمًا يُمنح للكوكب العاشر، وهو المذنب، الذي لا يدخل في الأنظمة الهندوسية أو اليونانية، التي تتناول تسعة أو سبعة فقط من الأجرام السماوية على التوالي.

لم يحتوِ النظام الصيني الكلاسيكي على أي ذِكرٍ لعقدتَيِ القمر الشمالية والجنوبية، ولا يذكر النظام الصيني سوى الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. وفي أوقاتٍ لاحقة، عندما ظهر مفهوم عقدتَيِ القمر الشمالية والجنوبية في عِلم الفلك الصيني، أُشِير إليهما بأنهما رأس التنين وذنَبه، وهو ما يشير بوضوح إلى أصلهما الهندي، غير أنهما لم يُعَدَّا كوكبيْنِ.

الخاصية المُشتركة الأخرى مع الأنظمة اليونانية القديمة والهندوسية هي تسمية أيام الأسبوع تَيمُّنًا بأسماء الكواكب: فالأحد (Sunday) للشمس (sun)، والاثنيْن (Monday) للقمر (moon)، والثلاثاء (Tuesday) للمريخ (Mars)، والأربعاء (Wednesday) لعطارد (Mercury)، والخميس (Thursday) للمشتري (Jupiter)، والجمعة (Friday) للزهرة، والسبت (Saturday) لزحل (Saturn). ونتيجةً لذلك فالكلمة التبتية التي تعني "يوم أسبوعي" (weekday) هي نفسها التي تشير إلى الكوكب.

كان الأسبوع عند الصينيين مكونًا من عشرة أيام، ولم يعتمدوا الأسبوع المكون من سبعة أيام حتى القرن السابع الميلادي، وذلك نتيجةً لتأثير مُجتمعات التجار المسيحيين النساطرة من فُرسٍ وسغديانيين، والتي تعيش في الصين. غير أن الصينيين يشيرون إلى أيام الأسبوع بالأرقام، وليس بأسماء الكواكب.

يرتبط أحد الفروق الرئيسة بين الأنظمة اليونانية القديمة والهندوسية بنوع دائرة الأبراج المستخدمة. وعلى غرار النظام الغربي الحديث استخدم اليونانيون القدماء دائرة الأبراج المدارية بينما استخدم الهندوس خريطة أبراج فلكية أو ذات نجم ثابت. الفرق بين الاثنين يتعلق بموقع برج الحمل الذي يحمل الدرجة "صفر". وفي دولاب الأبراج المدارية عندما تكون الشمس في وضع الاعتدال الربيعي في نصف الكرة الشمالي فيعرف هذا الموضع ببرج الحمل بدرجة صفر بغض النظر عن موقع الشمس بالنسبة لمجموع برج الحمل في هذا التوقيت. في دولاب أبراج النجوم الثابتة تكون الشمس في موضع برج الحمل بدرجة صفر عندما تتحد الشمس مع بداية هذه المجموعة.

ولقد انتقد نظام الكلاتشاكرا الأنظمة الهندوسية، ودافعَ عن دائرة البروج الاستوائية. ومع ذلك فقد تجاهل التبتيون هذا الملمح من تنجيم الكلاتشاكرا، وعادوا إلى نظام النجم الثابت. ولكن رغم ذلك فإن دائرة البروج الاستوائية وتلك اليونانية القديمة، بل الغربية الحديثة لا تتشابه مع بعضها البعض، وبالمثل فإن أنظمة النجم الثابت التبتية والهندوسية لا تتطابق مع بعضها البعض. وتفاصيل تلك الاختلافات مُعقَّدة نوعًا ما. ولتبسيط المناقشة دعونا نسقط اعتبار النظام اليوناني القديم.

وفي عام 290 م تقريبًا تحدَّدت نقطة الاعتدال الربيعي فعلاً في بداية مجموعة برج الحَمَل، كما لُوحِظت في السماء. ومنذ ذلك الحين، وهو يزحف ببطءٍ إلى الوراء، بمعدل درجة واحدة تقريبًا كلَّ اثنيْنِ وسبعينَ عامًا. وتُعْرفُ هذه الظاهرة بـ "السَّبقِ قي الاعتدال"، وبعبارة أخرى: حركة عكسية لوضع اعتدال الشمس. والفرق بين الوضع الملاحظ لدرجات الصفر عند برج الحمل ووضع درجات الصفر لبرج الحمل على النحو المحدَّد؛ من حيث الاعتدال الربيعي، يرجع إلى أن محور الأرض القطبي يدور تدريجيًّا باتجاه النجوم "الثابتة"، بفترة دوران تبلغ 26000 سنة.

وتقع نقطة الاعتدال الربيعي الآن بين درجتي ثلاث وعشرين وأربع وعشرين خلف الحوت، والبرج قبل الحمل. وهكذا، فإن النظام الغربي الحديث حاليًّا يَعُدُّ درجات الصفر عند برج الحمل ما بين ست وسبع درجات عند الحوت، كما يُلاحَظُ في السماء، وبعبارة أخرى: الوضع الاستوائي مطروحًا منه ما بين ثلاث وعشرين وأربع وعشرين درجة.

وفي الحقيقة فإن الوضع أكثر تعقيدًا؛ فقد كان هناك خمس أنظمة كلاسيكية هندوسية هندية مختلفة من الإحصاءات التنجيمية، أكثرها شهرة وما يزال يستخدم في الهند: هو نظام سوريا سيدهانتا (نظام الشمس في الحسابات). وهو يعتبر نقطة وضع الاعتدال الربيعي عند عام 500 م تقريبًا درجات الصفر عند برج الحَمَل، بينما في الحقيقة هذا الوضع كان بالفعل عند درجات قليلة في الحوت، كما يُلاحَظ في السماء. وآنئذٍ فإن سوريا سيدهانتا (نظام الشمس في الحسابات) يُشَيِّدُ دائرة بروج للنجم الثابت، معتمدةً على هذا الوضع للاعتدال الربيعي، بوصفه بداية برج الحمل.

ولقد كانت الأنظمة الهندية الهندوسية مدركةً لِسَبقِ الاعتدال، وقدمت المعادلات الرياضية لإحصاءِ قِيمتِهِ. ومع هذا، على الرغم من أن التباين بين الوضع الملاحظ لبرج الحمل ونقطة الاعتدال الربيعي يزداد خطيًّا إلى أن يلتقِيَا بعد قرابة 26000 عام، وتُفسِّر سوريا سيدهانتا أن التباين يتذبذبُ. أولاً: تسير نقطة الاعتدال الربيعي للخلف تدريجيًّا حتى تصل 27 درجة خلف الوضع الثابت الأصلي لدرجات الصفر عند برج الحمل، عندئذٍ تعكس اتجاهَها، وتتحركُ للأمام حتى تتقدَّمَ سبعًا وعشرين درجةً على هذا الوضع المحدد، وعندها تعكس الاتجاهَ مرة ثانية، حتى تصل إلى الوضع الثابت أصلاً للحمل مرة أخرى، وعندئذٍ يتكرر التذبذب. ولا يتوافق نمط التذبذبِ هذا مع التغيير الفعلي في موضع الشمس عند الاعتدال الربيعي، فيما يتعلق بأيٍّ من وضع درجات الصفر عند برج الحمل، كما هي ثابتة أصلاً بالـ سوريا سيدهانتا، أو الوضع الملاحظ فعليًّا عند بداية بُرج الحمل في السماء.

انتقد نظام التنجيم في الكلاتشاكرا أنظمة دائرة البروج ذات النجم الثابت التي استخدمتها السوريا سيدهانتا، والأنظمة الهندية الهندوسية الأربع الأخرى، ومفهوم السَّبق المتذبذب للاعتدال. وقد دافع عن دائرة البروج الاستوائية المعدلة بدلاً من ذلك. وطبقًا لنظام الكلاتشاكرا فنحن نحتاج إلى قياس نقطة الاعتدال الربيعي بالملاحظة مرة كل ستين سنة. وعندئذٍ ستظلُّ هذه النقطة ثابتةً في تعريفها لدرجات الصفر عند برج الحمل لفترة ستين سنةً كاملة، وعندئذٍ نحتاج إلى تصحيحها عند مُسْتَهَلِّ فترةٍ الستين سنة القادمة. وعلاوةً على ذلك، وكما في النظام الغربي الحديث، فهو يصف سبق الاعتدال باعتباره يتزايد خطيًّا كلما تحرك ببطءٍ عكسيًّا حول دائرة البروج دون أي تذبذب.

وحينما ذهب نظام الكلاتشاكرا إلى التبت في أوائل القرن الحادي عشر، فقد توقف التبتيون رغم ذلك عن إجراء التصحيح الدوري لنقطة الاعتدال الربيعي. ونتيجة لذلك فقد تحول نظام دائرة البروج التبتية إلى نظام النجم الثابت، لكنَّ نظام التباين فيه بين وَضْعِه الأصلي لدرجات الصفر عند برج الحمل والوضع الملاحظ حقيقةً لتلك الدرجات، يختلف عن أية تباينات في أيٍّ من الأنظمة الهندية الهندوسية، وهي تبلغ حاليًّا أربعًا وثلاثين درجة تقريبًا.

وتكشفُ ملاحظة السماء أن درجات الصفر عند برج الحمل في النظام الغربي تتوافق فعليًّا مع الوضع الملاحظ لبداية برج الحمل، مطروحًا منه عامل السَّبق ما بين ثلاث وعشرين وأربع وعشرين درجة. وذلك حينما ينتقل إلى البرج التالي ثانيةً - وهو برج الدلو - في حوالي أربعة قرون من الآن, فما يُسمَّى بـ"العصر الجديد لبرج الدلو" سيبدأ فنيًّا. وفي مناقشة مشتركة, حين يتحدث الناس عن أن عصر برج الدلو سيبدأ عاجلاً, فإنهم ربما يخلطون هذا بالمفهوم النصراني الذي يرى أن تغيير الألفية يميز عصرًا ذهبيًّا جديدًا.

وخلال الحُكم المنغولي للهند - خاصَّةً من القرن الثامن عشر الميلادي فصاعدًا - عندما أصبحت عمليات مراقَبة مواقع الكواكب منتشرة عبر التأثيرات الفلكية العربية المتنامية؛ حيث كان التواصل مع عِلم الفلك الغربي، نبذت العديد من الأنظمة الهندوسية النماذج الرياضية التقليدية؛ لأنهم قد توصلوا إلى أن النماذج الغربية تقدم نتائج أكثر دقة، ويمكن تأكيدها من خلال التليسكوبات وغيرها من أجهزة قياس السماء المختلفة التي بناها المنغول في مراصدهم. لذلك تبنَّى الكثيرون التقنية الجديدة في طرح قيمة بدارية نمطية بشكلٍ موحَّد من مواقع دولاب الأبراج المدارية ذات الأصل الغربي لكل الكواكب؛ من أجل استنباط مواقعها في دولاب أبراج النجوم الثابتة. وتبنَّتْ كل سلالة هندوسية قيمة بدارية تختلف بشكلٍ طفيفٍ عن غيرها، لتكون عامل تحويلها. فأكثر القيَم البدارية استخدامًا هي الدقائق الست بثلاثٍ وعشرين درجة.

من جهة أخرى يدَّعِي بعض عُلماء التنجيم الهندوس أن مواقع الكواكب المحسوبة تقليديًّا تعطي معلومات تنجيمية أكثر دقة، وهذه نقطة شديدة الأهمية؛ لأن عِلم التنجيم التبتي يمر الآن في مرحلة مشابهة لما مَرَّ به عِلم التنجيم الهندوسي في القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك عندما تواصل مع عِلم الفلك الغربي. إن مواقع الكواكب - كما توصلت إليها النماذج الرياضية لنظام الكلاتشاكرا - لا تُعبِّر بشكلٍ دقيق عن المُراقَب. ولكن، سواء أكان من الضروري اتباع المثال الهندوسي في نبذ التقليد واعتماد القيَم الغربية المُعدلة بعامل البدارية أم لا، فهو أمرٌ لم يحسم بعد.

قد يحتجُّ المرء أن أمر مواقع الكواكب المُراقَبة لا يحمل تلك الأهمية الجدية؛ لأن النظام الفلكي البوذي التبتي لم يُبنَ أبدًا لإرسال صاروخٍ إلى القمر أو قيادة سفينة، إنما تُحسَب المعطيات الفلكية لأهدافٍ تنجيمية، وإذا كانت المعلومات التنيجية دقيقةً تجريبيًّا وتُقدم المُساعَدة فذلك هو ما يهمنا.

ويهدف عِلم التنجيم التبتي إلى أن يتيح لنا معرفة حالاتنا الكارمية الأساسية في الحياة، كي نتمكن من توظيفها؛ للتغلب على كل عقباتنا، وأن ندرك كل احتمالاتنا؛ حتى تكون أفضل فائدة للآخرين. وضمن هذا السياق البوذي يجب على الدراسات الفلكية التبتية أن تؤخَذ بعين الاعتبار. قد يبدو الحُكم على التقليد والتضحية به اعتمادًا على عدم تطابق معطياته الفلكية مع مواقع الكواكب المُراقَبة.

من أجل معرفة أنظمة الآخر والاستفادة منها يجدر بالغربيين والتبتيين احترام نزاهة نصوص بعضهم البعض من المعرفة والحِكمة، فيمكن تقاسم الأفكار، واكتساب المؤشرات لمجالات جديدة من البحث، ولكنَّ نَبْذَ التوجهات التقليدية دون تمحيص، وتبني توجهات أجنبية، قد يكون أمرا سيِّئًا. كما يُمكن أن نرى من تواريخ كلٍّ من الطب وعِلم التنجيم التبتييْنِ، لم تُنسَخ الأفكار القادمة من ثقافات أجنبية دون فحص، بل إنها حفزت التبتيين لإنشاء أنظمة مميزة خاصة بهم، اعتمادًا على بحثهم وتجربتهم الخاصة؛ حيث اتخذت الأفكار الغربية صيَغًا جديدة، من أجل إفادة الجميع، وهذا هو سبب حدوث ذلك التقدم.

الحسابات السوداء

إن الحسابات السوداء ذات الأصل الصيني، التي تُدعى كذلك حسابات العناصر، تضيف بضعة خصائص أخرى إلى التقويم التبتي، مثل الارتباطات مع حلقات الحيوانات والعناصر، وسنة الحصان الحديدي. كما أنها تُوجِدُ مجموعة إضافية من المتغيرات، لمعاينة كلٍّ من تحليل الشخصية وإنشاء أبراج شخصية تنبُّئِية عامة. فهذه الخصائص إذًا متكاملة مع معلومات الأبراج المُستقاة من نظام الحسابات البيضاء.

وتضمُّ المواد ذات الأصل الصيني حسابات للمجالات الخمسة الرئيسة: المجال الأول يتعلق بحالات التقدم السنوية الرئيسة، لرؤية ما سيحدث خلال كل سنة من الحياة. المجال الثاني يتعلق بالأمراض، وهل تسببها أرواح ضارة أم لا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما نوع هذه الأرواح، وما الطقوس التي يجب ممارستها من أجل استرضائها؟ إضافة إلى التنبؤ بطول فترة المرض. المجال الثالث يتعلق بالموتى، خاصَّةً وقت إزالة الجثة من البيت أو اتجاهها، والمراسم التي يجب إجراؤها لاسترضاء القوى الضارة. المجال الرابع: يتعلق بحساب العقبات، وزمن حدوثها في التقويم عامَّة، وخلال حياة الشخص خاصَّة. المجال الخامس: يتعلق بالزواج، وخاصة الانسجام بين الزوج المحتَمَل. فحسابات هذه العناصر إذا تستخدم بشكل رئيس لأهداف تنجيميَّة.

كما كانت الحال بالنسبة للمواد ذات الأصل الهندي والأنظمة الهندوسية الهندية، فإنَّ المواد ذات الأصل الصيني تشترك في العديد من الخصائص مع المدارس الفلكية الصينية الكلاسيكية. ورغم ذلك تبقَى طريقة تطوير التبتيين لها واستخدامهم لها مختلفة في كثيرٍ من الجوانب.

يربط نظام حسابات العنصر التقويم بحلقات من سِتين سنة، مع كل سنة على التوالي، عبر واحدٍ من أصل اثني عشر حيوانًا. ويبدأ الترتيب الصيني الكلاسيكي بالفأر، في حين يبدأ التسلسل التبتي بالحيوان الصيني الرابع وهو أنثى الأرنب. وبذلك يختلف موقع بداية حلقة الستين سنة في السلسلة.

تتشابك قائمة الحيوانات الاثني عشر مع عناصر التعزيز لكل سنة، وهي إحدى المجموعات الصينية الكلاسيكية المؤلفة من خمسة عناصر: الخشب والنار والتراب والحديد والماء. وكل عنصر يحكم لسنتيْنِ على التوالي؛ حيث تمثل السنة الأولى الذكر، والثانية الأنثى. ولم يستخدم التبتيون أبدًا نظام اليانغ والين الصيني. وبذلك يستغرق الأمر ستين سنة لتكرر تركيبةً معينة، مثل سَنة الفأر الذكر الخشبي، وهو السنة الأولى في القائمة الصينية الكلاسيكية، أو سنة أنثى الأرنب النارية، وهي السنة الأولى في القائمة التبتية.

لا يوظف النظام الفلكي التبتي ما يشمله النظام الصيني الكلاسيكي من الينابيع السماوية العشرة والفروع الأرضية الاثني عشر، ويربط الصينيون ذلك بحلقة الستين سنة، ويؤكدون عليه في تقويمهم وعِلمهم التنجيمي أكثر من تأكيدهم على الحيوانات والعناصر.

إضافة إلى الدمج الطفولي للولادة في الحيوان والعنصر، ظهرت تركيبةٌ متقدمة كذلك لكل سنة من العمر، لكنها تُحسَب بطُرق تختلف بالنسبة للذكور عنها بالنسبة للإناث. وفي الحقيقة تختلف معظم الحسابات ذات الأصل الصيني بالنسبة للرجال عنها بالنسبة للنساء. وتجدر الملاحظة إلى أن عمرنا - في كلا النظاميْنِ: التبتي والصيني - يشير إلى عدد سنوات التقويم التي كنا فيها أحياءً، بصرف النظر عن مدى قِصَر تلك الفترة في أي سنة عينية. وعلى سبيل المثال، إذا وُلدَ أحدهم في الشهر العاشر التبتي من سنة معينة، يكون عمر الشخص سنة واحدة حتى رأس السنة التبتية، وعندها يصبح على الفور في الثانية من عمره؛ رغم أن هذا الشخص قد عاش ثلاثة أشهر، إلا أن ذلك كان خلال سنتيْن تقويميتيْن. وبذلك يصبح التبتيون جميعًا أكبر بسنة واحدة في رأس السنة التبتية، ولا يحتفلون أو يحسبون الإجازات بالأسلوب الغربي. إذًا فالعمر التبتي ليس مفهومًا معادِلاً للفكرة الغربية حول العمر، والتي تحسب عدد السنوات الكاملة التي مرت منذ الولادة.

إنَّ كل حيوانٍ من الحيوانات الاثني عشر - بتركيباته المختلفة مع العناصر الخمسة ضمن حلقة الستين سنة - يملك مجموعة من خمسة عناصر مترابطة، تُستخدَم لما يُدعى حسابات الحصى. وهناك قوى حياتية وجسمية، قوة أو قدرة، وادي الحظ، وعناصر الحصى الحياتية-الروحية. ترِد الحالات الأربع الأولى كذلك في عِلم التنجيم الصيني الكلاسيكي؛ حيث يُشار إلى القوة بالثروة. والروح الحياتية أو المبادئ المنظمة في الحياة تحمل مفهومًا تبتيًّا أكبر، وترَد في التقليد الأصلية للبونية كذلك.

واعتمادًا على تحليل العلاقة بين عناصر الحصى ووقت الولادة وتلك الخاصة بأي سنة عبور، يمكننا - من خلال قوة حياة المرء - أن نتنبأ بالخطر المُحتمَل الذي يهدد الحياة في تلك السنة، و أن نتنبأ من خلال القوى الجسمانية بمدى الضرر الصحي والجسماني. ومن خلال عناصر القوى يمكننا التنبؤ بالنجاح، مثل النجاح في العمل، ومن عناصر وادي الحظ يمكننا التنبؤ بالحظ العام والسفر، ومن عناصر الروح الحياتية يمكننا التنبؤ برفاهية مبادئنا التنظيمية الأساسية للحياة واستقرارها. إذا كانت هناك علاقات صعبة خلال تلك السنة، ومن المفضل أداء مراسم دينية لنواجه هذا التنافر.

كما أن كل حيوان من الحيوانات الاثني عشر ترتبط به ثلاثة أيام من الأسبوع: قوة حياتية وروح حياتية وروح مميتة. وبالنسبة لكل من يشترك في الحيوان-العلامة نفسها عند الولادة يكون أول يومين من الأسبوع يومَيْ سَعْدٍ، في حين أن الأيام اللاحقة لا تكون كذلك. ويُستخدم ذلك خاصة في عِلم التنجيم الطبي لاختيار أيام العلاج.

تُستخدَم المربعات السحرية كذلك - خاصة المربعات المكونة من شبكة مساحتها ثلاثة مربعات أفقية في ثلاثة مربعات رأسية، مرتبة عليها الأرقام من واحد إلى تسعة، في كل مربع رقم؛ بحيث يكون مجموع الأرقام أفقيًّا أو عموديًّا أو قُطْرِيًّا خمسة عشر. وتندمج الأرقام التسعة مع حلقة الستين سنة؛ بحيث أنه كل 180 سنة يرتبط رقم المربع السحري بسنة العنصر-الحيوان نفسها. تبدأ السلسلة بالرقم واحد، وتتابع بعدها بشكلٍ تراجعي: تسعة فثمانية فسبعة، وهكذا. ويرتبط كل رقم من أرقام المربعات السحرية بلون، وكل لون يرتبط بعنصر من العناصر الصينية الخمسة. فرقم واحد يرتبط بالأبيض وهو الحديد، واثنان بالأسود وهو الماء، وثلاثة بالأزرق الرمادي الداكن وهو الماء، وأربعة بالأخضر وهو الخشب، وخمسة بالأصفر وهو الأرض، وستة بالأبيض وهو الحديد، وسبعة بالأحمر وهو النار، وثمانية بالأبيض وهو الحديد وتسعة بالأحمر الداكن وهو النار. وعندما يُطبَع المربع السحري يكون لون كل مربع حسَبَ هذا الرسم


وبالنسبة لرقم الولادة، يؤخذ رقم مربع سحري متقدم بالنسبة لكل سنة من العمر، أما بالنسبة لتركيبة العنصر-الحيوان المتقدمة فالحساب يختلف بين الذكور والإناث، فلكل رقم مربع وقت الولادة تفسير، وهو يشمل وصفًا للحيوات السابقة، مع نزعاتها المتبقية في هذه الحياة، إضافةً إلى الحياة المستقبلية التالية المُحتمَلة، إلى جانب المراسم والتماثيل الدينية رغبةً في تحسينها، ونوع الولادة الجديدة المُحتمَلة. إذًا هذا هو مصدر المعلومات عن حيوات الماضي والمستقبل التي تعطيها الأبراج التبتية، ويمكن لعناصر الجسم وقوة الحياة ووادي الحظ وأرقام المربعات السحرية أن تُحسَب وتُعايَن كذلك بطريقة العناصر نفسها.

إن التريقرامات الثمانية في أي تشينغ أو "كتاب التغيرات" – الخطوط الثلاثة غير المكسورة والمكسورة، المرتبة أفقيًّا – تُستخدَم كذلك في العنصر التبتي أو الحسابات السوداء، ولكن ليس في الهكسقرامات المؤلفة من ستة وأربعين خَطًّا. وينبع التريقرام المتقدم بالنسبة لكل سنة من العمر من ترتيبٍ معين للتريقرامات. ويختلف الحساب بالنسبة للذكور عن للإناث، فكل مَن ينتمي إلى الجنس نفسه له التريقرامات المتقدمة نفسها للعمر نفسه.

عدا التباين البوني لعِلم التنجيم التبتي فليس هنا تريقرامات عبور سنوية، الأمر الذي يستلزم تعيين كل سنة تقويمية عامَّةً في سلسلة محددة. إذًا فتريقرام الولادة بالنسبة للذكور والإناث لا يُحسَب منذ سنوات ولادتهم، وإنما يُحسَب في علاقته مع تريقرام الأم بالنسبة لسنها في السنة التي ولدت فيها الشخص. وتفسير تريقرامات الولادة والتقدم يمنح معلومات إضافية للأبراج التنبُّئِية.

بالإضافة إلى ذلك، فيمكن حساب تريقرامات القوة الحياتية والقوة ووادي الحظ، وتُستنبَط من الأنواع الأربعة لأرقام المربعات السحرية التي تُحسَب من رقم الولادة، وهذه التريقرامات الأربعة - إلى جانب الجسم والقوة الحياتية والقوة ووادي الحظ وعناصر الحصى وقت الولادة، الخاصة بالزوج المرتقَب - هي ما تُقارَن في حسابات الزواج لتحديد التوافق


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 8:43 pm


2 التاريخ والتقويم التبتيُّ


تاريخ


وصلت المواد الفلكية الصينية إلى التبت في وقت سابق لوصول المواد الهندية، وكان ذلك في منتصف القرن السابع الميلادي، في عهد الإمبراطور سونغتسين-غامبو مؤسس الإمبراطورية التبتية العظيمة، وكان من بين نسائه أميرتان، إحداهما صينية والأخرى نيبالية. وقد أحضرت الأولى معها نصوص فلكية وطبية صينية مختلفة إلى التبت. وخلال سنتيْنِ بدأ البلاط التبتي في استخدام تسميات الحيوانات الاثنتي عشرة للإشارة إلى السنين، وليس حلقة الستين سنة. وكان ذلك عمليًّا النظام الحصري المُستخدَم في التبت في القرنيْنِ التالييْنِ.

بعد فترة من الانحسار الثقافي في القرن التاسع الميلادي ظهرت موجة تأثيرٍ فلكية ذات علاقة صينية من منطقة خوتان في تركستان الشرقية، بَدءًا من القرن العاشر. وقد دمجها المعلم التبتي دارماكارا في ما تذكره هو وآخرون من موادَّ قد فسَدَت تعود إلى فترةٍ قديمة، فصاغ نظامًا نهائيًّا جديدًا من حسابات العناصر، الذي بات يشمل حسابات الموت والزواج والعقبات والأبراج والتنجيم بالرمل. ومع حلول القرن الحادي عشر استخدم التبتيون حلقة عنصر-حيوان على نحوٍ نمطي، والتي تتألَّف من ستين سنة.

تُقدِّم التقويمات التبتية الحالية رقم السنة الملَكية، وهو تعداد السنوات التي مرت منذ صعود الملك التبتي الأول نياتري تسينبو إلى كرسي العرش عام 127 ق.م.

ووصل الجانب الهندي للمواد الفلكية إلى التبت مع تقديم "الكلاتشاكرا تانترا"، وترجم كثير من المترجمين والمعلمين نصوص الكلاتشاكرا الأساسية من السنسكريتية، وأرسلوها إلى التبت عدة مرات بين القرنيْنِ الحادي عشر والثالث عشر الميلادي. وذاع صيتهم في تقليدَيِ الساكيا والكاغيو الأوَّليْنِ، مع تفسيراتٍ إضافية متنوعة مكتوبة، وخصائص من المعلِّمين الصينيين والهنود دُمجَت مع بعضها البعض، وأُعيد العمل عليها لاستنباط التقليد الفلكي التبتي المميَّز.

وتشترك الكلاتشاكرا مع الأنظمة الهندوسية في استخدام حلقة المشتري المؤلفة من ستِّين سنة لعدِّ السنوات، والإشارة إلى الحلقة بأنها حلقة رابجونغ أو "بارزة"، تيمُّنًا باسم أولى السنوات الستين.

إن السنة الأولى من حلقة الستين سنة "البارزة" في التقويم التبتي، التي تُعَدُّ التاريخ الرسمي لتقديم الكلاتشاكرا إلى التبت، تمثِّل عدد السنوات الشهير الذي تُنبِّئَ به، والوارد ذِكره في أدبيات "النار-الفضاء-المحيط" من الكلاتشاكرا، بعد بداية الحقبة الإسلامية عام 624 م، رغم أن تلك الحقبة بدأت في الحقيقة عام 622 م.

يُعبِّر نظام الكلاتشاكرا والنظام الهندوسي عن الأرقام بالأسماء، مشيرًا إلى التعدادات العامة في الأدب الهندي العام، ويُجدوِلُها بترتيبٍ معين حسَب الآحاد ثم العشرات ثم المئات، وما إلى ذلك. وهناك ثلاث نيران، والفضاء فارغ مثل الصفر، وهناك أربعة محيطات. وهكذا تُعتبر "النار-الفضاء-المحيط" 403 سنوات بعد 624، أو 1027 م.

وعندما رُبِطَت حلقة الكلاتشاكرا "البارزة" ذات الستين سنة مع الحلقة الصينية ذات الستين سنة للعناصر والحيوانات لم ينسجم عام 1027 م مع بداية الحلقة الصينية؛ إذ إنَّ السنوات الصينية كانت دائمًا ما تبدأ بسنة الفأر الذكر الخشبي، وكانت هذه هي السنة الرابعة من حلقة أنثى الأرنب النارية. ولهذا السبب تبدأ حلقة الستين سنة التبتية بسنة أنثى الأرنب النارية، ويبدأ ترتيبها لسلسلة الحيوانات الاثني عشر بأنثى الأرنب، وليس بالفأر. وبهذا الفارق الذي يصل إلى ثلاث سنوات بَدأت الحلقة السابعة عشرة الحالية عام 1987 م، في حين بدأت الحلقة السابعة والعشرون الصينية الحالية عام 1984 م.

ورغم أن بداية حلقة الستين سنة "البارزة" كانت عام 1027 م، إلا أنه لم يُعتمَد تقويم الكلاتشاكرا في التبت حتى حلول النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي. وبصرف النظر عن ذلك فلم يزل الناس يشيرون إلى السنوات من خلال تسمياتها المؤلفة من عنصر-حيوان - كما هي الحال اليوم بشكل شائع - عِوضًا عن الإشارة إليها بأسمائها في الحلقة "البارزة"، غير أن الحسابات الرياضية للتقويم جاءت من نظام الكلاتشاكرا.

كان تشوغيال باغبا أحد أبرز معلمي الساكيا، وأحد المؤلِّفين الأوائل في الدراسات الفلكية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، وكان مُرشدَ الحاكم المنغولي للصين قوبلاي خان، والمعلِّم الرُّوحي المُعتمَد، إلى جانب عمه ساكيا بانديتا، بإحضاره البوذية التبتية إلى منغوليا. وبصفته معلمًا ذائع الصيت في تعاليم الكلاتشاكرا فلا شكَّ أن تشوغيال باغبا جلب النظام الفلكي التبتي الكامل، بالإضافة إلى ذلك، يُرجَّح - بصورةٍ كبيرة - أنه بعد أن جَعَل الخانات المنغول – الذين كانوا بدءًا من قوبلاي أباطرةَ سلالة يوان الحاكمة للصين – تشوغيال حاكمًا علمانيًّا على التبت، ومِن قَبله كان عمه، أصبح تقويم الكلاتشاكرا التقويمَ الرسمي في التبت.

كان جنكيز خان - جدُّ قوبلاي خان - قد تبنَّى نظام عد السنوات الذي ينطوي على اثني عشر حيوانًا في بداية القرن الثالث عشر الميلادي من الأويغوريين، وجعله نظامًا نموذجيًّا لإمبراطوريته. وبحسَب إحدى الروايات كان جنكيز خان هو الذي قَدَّم المصطلح "الأشهُر المنغولية"، الذي انسجمَ مع التسميات الصينية، وكان بديلاً لها، وذلك بمناسبة فتحه مملكة التانغوت عام 1207 م، في المناطق الحالية لشرق قانسو ومنغوليا الداخلية.

عندما قدمَ خلفاء جنكيز التقويم التبتي إلى الإمبراطورية المنغولية في منتصف القرن نفسه جعلوا الأشهُر المنغولية مُعادلةً لأشهر الكلاتشاكرا، عِوضًا عن الأشهر الصينية التي تختلف عنها كثيرًا، غير أنهم حافظوا على الشهر المنغولي الأول لِيكون بداية السنة، تَمشِّيًا مع العادة الصينية، رغم أنه يسبق شهر الكلاتشاكرا الأول بشهريْن، وتبنَّتْه التبت كذلك؛ بحيث كان هناك اهتمامٌ توحيدي نِسبيٍّ ببداية السنة عبر الإمبراطورية المنغولية. ولكن السنوات الصينية والتبتية لا تتزامن دائمًا؛ وذلك لأنَّ كلاًّ من هذيْنِ النظاميْن له معادلاته الرياضية الخاصة لإضافة أشهر كبيسة، ولتحديد بداية كل شهر وطُوله. في التبت كان يُشار إلى الأشهر التبتية بدلاً من الأشهر المنغولية، وتُستخدم التسميتان حتى اليوم بصورةٍ متبادَلة.

سلالات العلوم الفلكية التبتية

في الوقت الراهن، هناك مجموعتان رئيستان من سلالات العلوم الفلكية التبتية: التسوربو والبوغبا. وقد نشأت الأولى من تفسيرات الكارمابا الثالث رانغجونغ-دورجي من دير تسوربو للكلاتشاكرا في أوائل القرن الرابع عشر، وتستخدم هذه السلالة الموجودة على نحوٍ خاصٍّ في تقليد الكارما كاغيو، وهو النظام الموجَز للحسابات من أجل تحديد موقع الشمس والقمر ونظام العقيدة الكاملة للكواكب.

نظام حساب التشاتوه-بيتا-كلاتشاكرا هو النظام المشتقُّ من نظام التسوربو، وقد بدأه دروغتشين بيماكاربو في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. ولأن تقليد دروغبا كاغيو والبوتانيون اعتمدوا هذا النظام، والناسُ أحيانًا يشيرون إليه باسم الحسابات البوتانية، فهو يدمج المواد من الكلاتشاكرا والتشاتوه-بيتا أو "تانترات المقاعد الأربعة". والفرق الرئيس بين هذا النظام ونظام التسوربو هو أنه يَعُدُّ يوم الأسبوع القمري المحسوب اليومَ التاسع من الشهر في نظام التسوربو، وذلك اليوم التاسع يُعَدُّ في النظام البوتاني اليومَ الذي انتهى، واليومَ العاشرَ بأنه يوم الأربعاء. أمَّا نظام الدريغونغ كاغيو فيتبع نظامًا يدمج بين تقليدَيِ التسوربو والبوغبا.

وقد بدأ نظام البوغبا في القرن الخامس عشر على يد المعلمين الثلاثة الذين تُشكِّل كلمة "غياتسو" جزءًا من أسمائهم: بوغبا لوندروب-غياتسو، وكيدروب نورزانغ-غياتسو، وتسان-تشونغ تشودراغ-غياتسو. وذلك اعتمادًا على تقليد بوتون، وهو معلم الساكيا من القرن الرابع عشر الميلادي، والمفسر الكبير لـ الكلاتشاكرا تانترا، الذي يؤكد على نظام العقيدة الكاملة، الذي أعيد بناؤه بالحسابات الرياضية. وقد جاء في نصٍّ ورد في "الزبرجد الأبيض"، ويعود إلى منتصف القرن السابع عشر أنَّ ديسي سانغياي-غياتسو قد عدَّل التقليد من خلال عرض نظام العقيدة الكاملة ونظام الإيجاز معًا، وقد حدَّدَ استخدام نظام العقيدة الكاملة للروزنامة والتقويم السنوي، وذلك من أجل ضمِّ مُعطيات نظام الإيجاز في التقويم السنوي لاستخدامها في حساب حالات الكسوف. وتتبع أنظمة الغيلوغ والساكيا والنيِنغما والشانغبا كاغيو سلالةَ بوغبا، كما هي حال منغول الكلميك في روسيا. وهكذا أصبح هذا النظامُ هو النظامَ الفلكي الأكثرَ شيوعًا.

وقد تطوَّرَ النموذج الصيني الواسع - أو الحسابات الصفراء - داخل كلٍّ مِن نظامَيِ البوغبا والتسوربو. وعندما ذهب الدالاي لاما إلى الصين عام 1652 م بدعوةٍ من إمبراطور مانشو الأول التابع لأسرة تشينغ؛ حيث رأى القصر الملكي في بكين ملاحظات ووثائق مرسومة حسب التقويم الصيني التقليدي والنظام التنجيمي. ونتيجةً لانبهاره جَعَل مُترجمه ميرغين كاتشوبا يُسجِّل ملحوظاتٍ حول الموضوع. وقد ألَّف ميرغين كاتشوبا عند عودته إلى التبت ثلاثة عشر مجلَّدًا عن حسابات النموذج الصيني الواسع. وقد أُخفِيت النصوص في قصر بوتالا التابع للدالاي لاما، ولم تُستخدَم أبدًا، وليس هناك أي ذِكر لهذا النظام الأصفر في النص المذكور سابقًا لديسي سانغياي-غياتسو، الذي كان وزيرَ الدالاي لاما الخامس. ورغم ذلك حُسِبَ لميرغين كاتشوبا أنه بدأ التقليد التقويمي والتنجيمي.

شهِدَ القرن الثامن عشر اهتمامًا كبيرًا بين التبتيين بعِلم التنجيم والتقويم التبتييْنِ، كان ذلك بشكلٍ خاص في ظل رعاية إمبراطور المانشو في الصين تشيانلونغ. ومن سلالة التسوربو زار الكارمابا الثاني عشر، وبعده التاي سيتو الثامن البلاطَ الملكي المانشوي، وترجموا نصوصًا كثيرة. وكان الاهتمام كبيرًا داخل البوغبا على نحوٍ خاص بين معلمي الغيلوغ في مقاطعة أمدو التبتية الشمالية الشرقية، خاصة في كلية عِلم التنجيم في دير لابرانغ تاشيكييل، كما أنهم ترجموا الكثير من الأعمال، ويُذكَر أن منغوليا الداخلية قد اتَّبعت سلالتهم.

وفي مدرسة البوغبا في التبت الوسطى ظهرت نسخة مختصَرة من النظام الأصفر في نص لتشيندزو سونغ-راب في بداية القرن التاسع عشر. واعتمادًا على ملحوظاتٍ لغين لودرو-غياتسو ألَّف الأستاذ تراغتون في ثمانينيات القرن العشرين النظام المستخدَم حاليًّا في مؤسسة دارامسالا للطبِّ والفلك التبتييْنِ، وتستخدِم مؤسَّسة لاسا للطبِّ والفلك نظامًا أنشأهُ مؤخَّرًا تسيتين شابدرونغ وموغي-سامتين.

ويَستخدِم النظام الأصفر حسابات تقويم الكلاتشاكرا الرئيسة، وهو بذلك يختلف كلَّ الاختلاف في إطاره عن التقويم الصيني الكلاسيكي الفعلي. ورغم ذلك فإن الطريقة التي يضيف بها شهريْنِ متشابهة جدًّا، ولكنها ليست مُكافِئة دومًا لتلك المُستخدَمة في النظام الصيني. وعلى عكس أنظمة تبتية وهندية أخرى - وجميعها له تواريخ مُضاعَفة ومُزالة من الشهر القمري - فإن التقويم التابع لحسابات النموذج الصيني، مثل التقويمات الصينية، يفتقر إلى هذه الخاصية. وتتألَّف الشهور إمَّا مِن تسعة وعشرين يومًا، وإمَّا مِن ثلاثين يومًا، وتكون مرقَّمَةً بصورةٍ متتابعة ومُحدَّدةً حسَب تقاليد الحساب المختلفة. وتواريخ بداية كل شهر لا تتزامن دائمًا مع تواريخ التقويم الصيني الكلاسيكي، أو تواريخ نظامَيِ البوغبا والتسوربو، رغم أنها قد تتزامن في بعض الأحيان.

هناك عددٌ من الفروقات بين سلالات البوغبا في منغوليا الداخلية والتبت الوسطى، فعلى سبيل المثال في أسلوب إضافة الأشهر المزدوجة، فإن تقويم منغوليا الداخلية مُرتَّب حسَب النظام الأصفر، في حين أن مُعطيات هذا النظام مشمولة فقط في روزنامات البوغبا في التبت الوسطى. أمَّا الاستخدام الرئيس للحسابات الصفراء فهو لإجراء تنبُّؤ "الثور الأرضي" لأنماط الطقس والحالات العامة للسَّنَة.

وقد اتبع منغول الخالخا في منغوليا وكلٌّ من البورْيات والتوفيان في سيبيريا مجموعةً متنوِّعة من تقاليد البوغبا المعروفة بسلالة الغيدين الجديدة، أو السلالة الإيجابية الجديدة. وقد بدأ ذلك عام 1786 م على يد سومبا كينبو ييشي-بيلجور، وهو معلِّم منغولي منغوري في التنجيم والطب من أمدو. ويعتمد هذا النظام على تفاسير الكلاتشاكرا لكايدروب جي من القرن الخامس عشر، وتتبع معظم الحسابات القاعدة نفسها التي تتبعها حسابات البوغبا، وتُعَدُّ حلقات الستين سنة بالطريقة نفسها كذلك. ولكن رغم بدء حلقة الستين سنة "البارزة" بسنة أنثى الأرنب النارية، تُعَدُّ نقطة البداية لحسابات فترة الستين سنة هي سنة الحصان الذَّكَر الناري، وهي السنة الأربعون من الحلقة؛ وذلك لأن شاكياموني بوذا وُلِدَ في مثل هذه السنة. وبسبب هذا الاختلاف فإن التقويم المنغولي يعمل بشكلٍ فريد.

يُسمَّى نظام البون لعِلم التنجيم: "الحسابات الخالصة للتحليلات الثلاثة". ورغم أن البونيين يَعُدُّون نظام البون الأقدمَ بين الأنظمة البوذية، إلا أن كيونغترول جيغمي-نامكاي-دورجي (1880 – 1953 م) هو الذي دوَّن النظام في هيئة نصية، ويتميز هذا النظام بحسابات خالصة خارجية وداخلية وسرية أكثر. وتنسجم الحسابات الخارجية والداخلية مع تقليد البوغبا، في ظل بعض التغييرات البسيطة، والاختلافات الخفيفة في طريقة تناول بعض الحسابات. أما الحسابات السرية والأكثر سرية فتضم حساباتٍ أكثر دقة من الحسابات الخارجية والداخلية، في حين أن التقويم البوني يطابق تقويم البوغبا تمامًا.

وتظهر الفروق بين هذيْنِ النظاميْنِ التبتيين بشكلٍ أكثر وضوحًا في طريقة انسجام التقويم القمري مع التقويم الشمسي. ولإعطاء هذه الموضوع حقَّه فعلينا مناقشة التقويم التبتي نفسِه، الذي ينبع أساسًا من الكلاتشاكرا تانترا.

التقويمات الفلكية: التقويم والروزنامة التبتية

إن النظام التبتي لعِلم الفلك وعِلم التنجيم مُعقَّد للغاية، ويستغرق الأمر خمس سنوات لتعلُّمه وإتقانه في قسم الفلك في مؤسسة الطب والفلك التبتية في دارامسالا بالهند، ويتعلَّم الطلاب حساب كل شيء يدويًّا بالأسلوب التقليدي على لوحٍ خشبي مُغطًّى بالسُّخام الذي يَكتبُ عليه الطالب مستخدمًا أداة للكتابة على الشمع. وليس هناك تقويماتٌ فلكية مُدوَّنة للبحث فيها عن أرقام، فإحدى الجوانب الرئيسة من التدريب هي الرياضيات الشاملة لكل الحسابات.

إن نظام الكلاتشاكرا - مثله مثل أنظمة التقاليد الهندوسية - يُقدِّم معادلات لتحديد "الكواكب الخمسة والخصائص التقويمية الشاملة الخمس". والكواكب الخمسة هي: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. أما مواقعها - مثل مواقع الشمس والقمر والعقَدتيْنِ - فتُحسَب للتوصل إلى التقويمات الفلكية التبتية، حسب النموذج الرياضي، كما كانت الحال في النظام اليوناني القديم. وهكذا، فإنه يختلف عن عِلم الفلك الصيني، الذي توصل إلى معرفة مواقع الأجرام السماوية وحركتها اعتمادًا على المراقبة، وغالبًا عند تطبيق الرياضيات الصينية في بعض الأوقات تكون حَسَب الأسلوب الجبري بصورةٍ أولية.

استخدم اليونانيون القدماء في الأساس عِلم الهندسة، والمقصود به هو أبعاد هندسية مختلفة لتحديد حركة الكواكب ووصفها. وقد طوَّرَت الأنظمة الهندوسية دالَّة الجيب، لتوظف بذلك الطرق المثلثية عوضًا عن الطرق الهندسية وحدها. في حين أن الحسابات في النظام التبتي لم تشمل الأبعاد الهندسية ولا الدالاَّت المثلثية، وإنما كانت حسابية مَحضة.

ويستلزم إنشاء التقويم والروزنامة الخصائص التقويمية الشاملة الخمس: يوم الأسبوع القمري وتاريخ الشهر القمري ومجموعة نجوم القمر وفترة الاندماج وفترة الحركة. وتنطوي أول خاصِّيَّتَيْنِ على الآلية التي تجعل التقويميْنِ القمري والشمسي مُتوافِقيْنِ.

ويُقدِّم كلٌّ من النظاميْنِ التبتي والهندوسي ثلاثة أنواع من الأيام: اليوم التابع لدولاب الأبراج، وهو الوقت الذي تستغرق فيه الشمس لتتقدَّم درجة واحدة من أصل 360 درجة على دولاب الأبراج. واليوم الشمسي من الفجر إلى الفجر. وأيام التواريخ القمرية هي الفترة التي يستغرقها القمر للتحرك بمعدل واحد من ثلاثين من المسافة بين موقع الهلال في كل علامة متتابعة في دولاب الأبراج، وتُحسب نقطة بداية أيام التواريخ القمرية من خلال عملية رياضية تشبه تلك المُستخدَمة لتحديد موقع الشمس والكواكب، وتُعَدُّ ضمن حلقة من سبعة أيام أسبوعٍ قمرية تُسمَّى بأيام الأسبوع، التي هي نفسها أسماء سبعة من الكواكب، كما سبقت الإشارة إليه، لربط التقويم القمري بالتقويم الشمسي، ويجب ملاءمة أيام الأسبوع القمرية هذه مع الأيام الشمسية، وهذا أمرٌ مُعقَّد.

بدايةً لا يتشكَّل الهلال بصورةٍ كاملة تمامًا في الوقت نفسه من اليوم في كل شهر، وبذلك يمكن للقمر أن يبدأ حركته ضمن إحدى هذه المسافات الصغيرة المكونة من واحد من ثلاثين من دورته، في أي وقتٍ من اليوم الشمس. وتُسمَّى الفترة التي يستغرقها القمر في التحرك ضمن المسافة التي تشكل واحد على ثلاثين من دورته تلك باسم: يوم الأسبوع. وهكذا يمكن أن يبدأ يوم الأسبوع في أوقات مختلفة خلال اليوم الشمسي.

بالإضافة إلى ذلك، يستغرق القمر نسبة معينة من الوقت لتغطية كل مسافة من المسافات الواحد على ثلاثين تلك؛ وذلك لأن سرعته تتغير مع موقعه الخاص ومع موقع الشمس في دولاب الأبراج، وبالتالي تتغير نسبة يوم الأسبوع القمري الذي يمر بين مطلعيْ يوميْنِ شمسييْنِ متعاقبيْنِ؛ لأن طول يوم الأسبوع القمري يتغيَّر على نحوٍ متشابه.

تواريخ الشهر القمري - التي تُشكِّل الخاصية التقويمية الشاملة الثانية - مُرقَّمة من واحد حتى ثلاثين، وتدوم من مطلعٍ إلى مطلع بأسلوب الأيام الشمسية. وتكمن المشكلة في تحديد تاريخ كل يوم من الأسبوع، غير أن الحل ليس واضحًا؛ لأن أيام الأسبوع الشمسية - التي تحدد أيام الأسبوع بما أنها تُدعى الأحد (Sunday) والاثنين (Monday)، وما إلى ذلك - تبدأ وتنتهي بفترات زمنية متباينة في الطول.

ويُقرَّر يوم الأسبوع حَسَب القاعدة اعتمادًا على حلول يوم الأسبوع القمري في مطلع التاريخ القمري. فعلى سبيل المثال، قد يبدأ يومُ أسبوعٍ قمري، مثل الاثنين (Monday)، في فترة بعد الظهر من التاريخ الثاني لشهرٍ ما، وينتهي في فترة بعد الظهر من الشهر الثالث؛ لأنه في مطلع الشهر الثالث، الذي يُعَدُّ - بصورة معيارية - في الساعة الخامسة صباحًا، ويبقى يوم الأسبوع القمري هو الاثنين (Monday)، ويُعَدُّ الشهر الثالث يوم اثنين (Monday).

ويستحيل تمرير يوم من الأسبوع أو تجاوزه، فبعد الأحد مباشرةً يجب أن يتبعه الاثنين، وليس أحدٌ آخر أو ثلاثاء. لكن في بعض الأحيان يحل مطلعا تاريخيْنِ متعاقبيْنِ في يوم الأسبوع القمري نفسه. فعلى سبيل المثال قد يبدأ يوم الاثنين القمري من الأسبوع قبل خمس دقائق من مطلع اليوم الثالث؛ واليوم الذي يليه، وهو الثلاثاء، قد يبدأ بعد خمس دقائق من مطلع اليوم الرابع. وهذا ما يجعل من اليومين الثالث والرابع معًا، يومي اثنيْن! ولا يمكن أن يكون هناك يومَا اثنيْن على التوالي، فيجب شطب واحدٍ من التاريخيْنِ، ولهذا السبب يتجاوَز التقويم التبتي تواريخ معينة من الشهر.

ومن جانب آخر تحل بداية يومي أسبوعٍ قمري أحيانًا قبل مطلع التاريخ التالي. وعلى سبيل المثال، إذا بدأ يوم الاثنين من الأسبوع بعد خمس دقائق من مطلع اليوم الثالث، وانتهي قبل خمس دقائق من مطلع اليوم الرابع، عندها، وحسَب القاعدة الأولى يجب أن يكون اليوم الثالث هو يومَ الأحد، واليوم الرابع هو يومَ الثلاثاء، ويجب ألاَّ يكون هناك يومُ اثنين. وبما أنه من غير الممكن الانتقال من الأحد إلى الثلاثاء دون مجيء الاثنين، فتجب مضاعفة أحد هذيْنِ التاريخيْنِ ليكون أحدهما هو يوم الاثنين. ولهذا السبب نجد في بعض الأحيان أنَّ هناك يومينِ بتاريخ الثامن ويومين بتاريخ الخامس والعشرين في شهرٍ تبتي.

وتجب إضافة شهر ثالث عشر بين الحين والآخر إلى السنة على شكل شهرٍ مضاعف إضافي أو شهرٍ كبيس؛ وذلك لجعل التقويم القمري أكثر انسجامًا مع التقويم الشمسي. والقواعد التي تحدد اختيار التواريخ التي يجب مضاعفتها أو شطبها، ومتى يجب زيادة شهر إضافي، تختلف باختلاف السلالات الفلكية التبتية. وهذا هو الاختلاف الرئيس بينها. وتوجد لدى التقويمات الهندوسية المختلفة أيضًا تواريخ مُضاعفة وأخرى مشطوبة، كما أن للتقويم الصيني الكلاسيكي أشهرًا مضاعَفة، والقواعد المُتبعة ليست القواعد نفسَها بالنسبة للأنظمة التبتية.

أما الخاصية التقويمية الشاملة الثالثة فهي مجموعة نجوم القمر، ولا يشير ذلك إلى موقع القمر الفِعلي في مطلع التاريخ القمري، كما تحسُبه أساليب الكواكب الخمسة، وإنما حسَب مجموعة نجومه المتعاقبة ذات العلاقة. فبالنسبة لأي تاريخ قمري تُعدُّ تلك المجموعة هي موقع المجموعة النجمية للقمر التي سيقع فيها في بداية يوم الأسبوع القمري، الذي يحل في مطلع ذلك التاريخ، وفقًا لتحديد ذلك التاريخ في يومه من أيام الأسبوع.

أما الخاصيتان الرابعة والخامسة فهما دمج فترتيْنِ وحركتهما، وهناك سبعة وعشرون فترة دمج، كل واحدة منها تساوي فيها الحركة المُدمَجة للشمس والقمر واحدًا على سبعة وعشرين من دولاب الأبراج الكامل. إذًا فبالنسبة لأي وقت يمكننا استنباط فترة الدمج من خلال إضافة الموقع الصحيح للشمس إلى موقع مجموعة القمر النجمية المتعاقبة المرتبطة به. وبذلك تبدأ كل فترة في وقتٍ مختلف، كما أن لكل منها اسمًا وتفسيرًا معينًا، حيث يُعَدُّ بعضُها أقلَّ سَعدًا من بعضها الآخر.

وأخيرًا فهناك إحدى عشرة فترة للتحرك، تنبع من التقسيم القمري للتواريخ الثلاثين بأسلوبٍ غير متكافئ، ولا حاجة لنا للتفصيل ههنا. ولكل فترة تحرك من الفترات الإحدى عشرة اسمٌ محدَّد، ويُعَدُّ بعضُها - على نحوٍ شبيه - أقل تفضيلاً من بعضها الآخر للقيام بنشاطٍ معين.

تواريخ خاصة في التقويم التبتي

للتقويم والروزنامة التبتيَّينِ دورٌ كبير في الحياة التبتية؛ إذ إن إحدى أكثر استخداماتهما أهميةً هي ضبط التواريخ لمختلف احتفالات التقدمة البوذية أو تسوغ، فاليوم العاشر من مراحل ظهور القمر وتضاؤله - أي اليوم العاشر واليوم الخامس والعشرون من كل شهرٍ قمري - هو يوم أداء التقدِمات الطقسية إلى شخوص بوذا وتشاكراسامفارا التي تُعرف أحيانًا باسم هيروكا وفاجرايوغيني، إضافةً إلى غورو رينبوتشي بادماسامبافا، وهو مُؤسِّس تقليد النينغما. ومن بين كل هذه العشرات يُعدُّ التاريخ الخامس والعشرون من الشهر التبتي الحادي عشر أكثر الأيام أهميةً بالنسبة لتشاكراسامفارا، واليوم العاشر من الشهر التبتي الثاني عشر بالنسبة لفاجرايوغيني، أما اليوم الثامن من كل شهر تبتي فهو اليوم الخاص للقيام بالتقدِمات إلى تارا، ويكون ذلك خلال مرحلة ظهور القمر فقط.

ولو كان لأحد الأشهر التبتية يومان عاشران مثلاً فإن احتفال التقدِمة يكون في اليوم الأول منهما، وإذا شُطِب اليوم العاشر من ذلك الشهر فإن احتفال التقدِمة يكون في اليوم التاسع. وتُتَّبَع هذه القاعدة بالنسبة لكل الطقوس الدينية التي يُفترَض إجراؤها في يوم سعدٍ خاص من التقويم التبتي.

وفي كل سلالة بوذية تبتية، وضمن كل ديرٍ تابع لكل تقليد، يُحدَّد برنامج الشعائر التي تمارس على مدار السنة اعتمادًا على التقويم التبتي. وفي العادة يُعيَّن التوقيت الصيفي من اليوم السادس عشر من الشهر التبتي السادس حتى اليوم الثلاثين من الشهر السابع، ويُعرف ذلك بالتوقيت الصيفي المبكر. ويتبع ديرا غيوتو وغيوماي التانتريان في لاسا التوقيت الصيفي المتأخر من اليوم السادس عشر من الشهر التبتي السابع حتى اليوم الثلاثين من الشهر الثامن. بالإضافة إلى ذلك، في تقليد الغيلوغ يُعدُّ اليوم التاسع والعشرون من كل شهرٍ قمري يومًا خاصًّا لتمثال بوذا فاجرابايرافا، الذي يُعرَف كذلك باسم يامانتاكا، ويُعتمَد عليه بشكلٍ خاص للحماية من العقبات والعراقيل. وبهذا السبب يُعَدُّ من الأفضل بدء انحسار التأمُّل وتحوله إلى ممارسة مكثَّفة في هذا التاريخ من أي شهرٍ تبتي.

ولا يُعدُّ العيد البوذي "فيساك" احتفالاً بوفاة شاكياموني بوذا أو بارينيرفانا فقط، وإنما بتاريخ ميلاده وتنويره كذلك. وينبع فيساك - أو ووساك أحيانًا - من تعادل بالي، المُعتمَد في الدوَل التيرافادية، من الشهر السنسكريتي فايشاكا، وهو الشهر الثاني في الكلاتشاكرا والشهر التبتي الرابع. ويكون هذا العيد يومَ اكتمال القمر، أي في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر. وبما أن التقويم التيرافادي يختلف عن التقويمات التبتية، وينبع من أحد الأنظمة الهندوسية الهندية، فإن فيساك يقع قبل شهر من موقعه في الرسم التبتي.

وهناك حدثان آخران من حياة شاكياموني بوذا يُحتفَل بهما؛ فبعد أن شَهِدَ بوذا تنوُّره تحت شجرة بوذي في بود غايا، كان الشخص الأول الذي علَّمه هو والدته التي تُوفِّيت أثناءَ ولادته، ووُلدَت من جديد في جنة فيها ثلاثة وثلاثون إلهًا - أو في جنة توشيتا حسب بعض المصادر – وقد سافر بوذا إلى هناك ليعلِّمها. ويُحتفَل بعيد النزول من المملكة السماوية في اليوم الرابع من الشهر السادس التبتي، إحياءً لذكرى عودة بوذا إلى هذا العالم. وقد توجَّه بوذا بعد ذلك إلى سارناث، وعلَّم أول تلاميذه من البشر في منتزه الغزلان. ويُحتفَل بعيد إعداد تدفق جولات التعاليم في الثاني والعشرين من الشهر التبتي التاسع.

كما أن لكلِّ سلالة بوذية تبتية أيامَها الخاصة. فعلى سبيل المثال، في تقليد الغيلوغ يُحتفَل بعيد التقدِمات الخامسة لغاندين في الخامس والعشرين من الشهر التبتي العاشر، إحياءً لذكرى وفاة تسونغخابا. ويُقام مِهرجان مونلام - وهو مهرجان الصلاة الكُبرى في لاسا - من الثالث إلى الرابع والعشرين من الشهر التبتي الأول. وفي اليوم الأخير من المهرجان يُحتفَل بكعكة طقسية يلقيها عَرَّاف الدولة نيتشُنغ، الذي تُخلِّص فيها رمزيًّا من كل عقبات السنة الجديدة. ويكون ذلك في اليوم التالي، أي الخامس والعشرين من الشهر الأول، من خلال الاحتفال بمهرجان دعوة ميتريا؛ حيث تظهر صورة لميتريا، أي البوذا القادم، في أنحاء لاسا في مركبةٍ مزخرَفة.

كما أن هناك تواريخَ محدَّدة لاستشارة العرافين. فعلى سبيل المثال تستشير الحكومة التبتية عَرَّاف دولة نيتشُنغ تقليديًّا في العاشر من الشهر الأول. وفي التبت يستشير رؤساء دير دريبونغ بصورةٍ منتظمة عَرَّاف نيتشُنغ في الثاني من كل شهرٍ تبتي.

تُشير التقويمات التبتية إلى أن هناك ثلاثة أنواع من التواريخ المشئومة تأتي بانتظام، ويُشار إلى "الأيام السيئة" بالحرف التبتي (جا)، وتدوم من الفجر إلى الفجر. ويُشار إلى "الأيام السوداء" بالحرف (نيا)، وتدوم يومًا واحدًا فقط. ويحلُّ كلاهما في تواريخ ثابتة في كل سنة، ويحل أحدهما خلال كل شهرٍ من الكلاتشاكرا. أمَّا النوع الثالث من التواريخ المشئومة فيُشار إليه بالحرف (يا) الذي يدوم يومًا وليلة، وتُعرف هذه الأيام بـ"أيام يِن كوُنغ"، تيمُّنًا باسم إلهٍ صيني. وعادةً يكون هناك ثلاثة عشر يومًا في كل سنة، وتحل في تواريخ ثابتة من الأشهر الطويلة حسب النموذج الصيني من نظام الحسابات الصفراء. بالإضافة إلى ذلك، ومن نظام حسابات العناصر ذات الأصل الصيني، تحتوي كل سنة على شهريْنِ: "أسوديْن" أو مشئوميْنِ، وبين الحين والآخر تكون هناك سنة "سوداء".

يُشار إلى النوع الآخر من التواريخ في التقويم التبتي بالحرف (سا) لغرض احتفال الرهبان والراهبات نصف الشهري لتطهير نذورهم واستردادها، ويُدعى احتفال سوجونغ. يُعقَد أول هذه الاحتفالات بعد خمسة عشر يومًا شمسيًّا من السنة الجديدة، وتبدأ الأشهر التبتية بفترة ظهور القمر. أما احتفال سوجونغ الثاني من كل شهر فيكون في نهاية فترة تضاؤل القمر، ويُقام بعد أربعة عشر يومًا قمريًّا من الاحتفال السابق. وإذا كان هناك تاريخٌ مضاعَف يُعد كِلا التاريخين تاريخًا واحدًا عند العَدِّ. وإذا كان هناك تاريخٌ مشطوب يجب عد رقم تاريخ إضافي للوصول إلى العدد أربعة عشر. وأما احتفال سوجونغ الأول من كل شهر فيكون في نهاية فترة ظهور القمر، ويُقام بعد أربعة عشر يومًا شمسيًّا من الاحتفال السابق، دون التطرُّق إلى التواريخ المُضاعفة أو المشطوبة.

ويُلحَظ أنَّ نصف الشهر الذي يشهد ظهور القمر يُعَدُّ عامَّةً أكثر سعدًا من نصف تضاؤله، ولذلك يبدأ معظم التبتيين بأفعال بنَّاءة وإيجابية خلال النصف الأول من الشهر القمري؛ بحيث تزداد النتائج وتتَّسع مثل القمر الآخذ في الظهور.

تواريخ السَّعْدِ والشُّؤْم

بالإضافة إلى ذلك فإنَّ بعض التواريخ تُعَدُّ تواريخَ سعد، والأخرى تواريخَ شؤم، بالنسبة إلى أداء بعض الأنشطة العينية. فعلى سبيل المثال تُعَدُّ تواريخ التاسع والتاسع عشر والتاسع والعشرين من الشهر القمري من الأيام المفضَّلة للسفر، في حين يُعَدُّ الثاني والثامن والرابع عشر والعشرون والسادس والعشرون من الشهر من الأيام لا يُفضل فيها السفر، وتُسمَّى تواريخ "مصفاة المياه". ولذلك إذا لم يكن لدى التبتيين سفر في يومِ السعد فغالبًا ما يفعلون ذلك رمزيًّا؛ بأن يأخذوا جزءًا من أمتعتهم، وينقلوه مسافةً قصيرةٍ آخرَ الطريق إلى بيتٍ آخر في ذلك اليوم. ولكن إذا تُوفِّيَ أحدهم في التاسع أو التاسع عشر أو التاسع والعشرون، أو عندما يكون القمر في المجموعة النجمية التاسعة، أو يوم أَحَد، وخاصَّةً إذا اجتمع الثلاثة معًا في يوم واحد، فإن ذلك يُعدُّ شؤمًا بالنسبة لأهل الميت.

إن أكثر أيام السَّنَة شؤمًا هو "يوم العلامات التسع السيئة"، وتبدأ في اليوم السادس من الشهر التبتي الحادي عشر ظهرًا، وتستمر حتى ظهر اليوم السابع. وخلال هذه الفترة يحاول معظم التبتيين ألاَّ يمارسوا أية شعائر دينية خاصة أو إيجابية، وإنما يخرجون في نزهات يسترخون ويلعبون. ويرجع سبب تلك العادة إلى أنه في أيام بوذا حاول أحد الأشخاص أن يُنجِزَ أعمالاً من الخير كثيرة في ذلك اليوم، لكن تسعة أشياء سيئة حلَّت به، فنصحه بوذا ألاَّ يحاول بعد ذلك في هذا اليوم من السنة أن يعمل أعمالاً كثيرة من الخير.

لكن اليوم التالي، أي من ظهر اليوم السابع من الشهر الحادي عشر إلى ظهر اليوم الثامن، يُدعى "يوم العلامات التسع الجيدة"؛ ففي هذا اليوم - في زمان بوذا - حدثت تسعة أشياء رائعة لذلك الشخص نفسه عندما استمر في فعل الخير. إذًا تُعدُّ هذه الأيام مفضلة لأداء الأعمال الإيجابية بشكلٍ عام، كما يستغلُّ التبتيون هذا الوقت في الخروج إلى المتنزهات وممارسة بعض الألعاب.

وهناك فترتانِ أُخرَيَانِ من السنة في الروزنامة جديرتان بالاهتمام، وهما: الفترة الأولى تُدعى "مطلع النجم ريشي"، الذي يُحسَب من نقطة معينة في الشهر التبتي الثامن، ويستمر سبعة أيام، وخلال هذه الفترة يُلقِي نجم "ريشي" ضوءَه المنبعث على حجر الزبرجد الكريم الموجود على تاج تمثالٍ بهيٍّ معين، فيتدفَّق العطر من ذلك الحجر، ويجعل ذلك ينابيع الماء حارَّةً جِدًّا، وبالتالي فإن هذه الأيام السبعة تُدعى أيام الاستحمام، ويذهب التبتيُّون إلى تلك الينابيع الحارة للعلاج والتداوي.

الفترة الأخرى تُدعى "أيام الخنزير المسموم"، تستمر هذه الفترة كذلك سبعةَ أيام، وتُحسَب من نقطة أخرى في الشهر التبتي الخامس، وخلال هذه الأيام - نتيجةً للمطر الملوَّث - تتحول المياه إلى سموم تَسري في النباتات الطبية التي تُقطَف في هذه الأيام وتكون مسمومة. وكذلك تكون الينابيع الحارَّة ضارَّة جدًّا؛ لذلك يتفاداها الجميع.

ورغم وجود الكثير من الفترات التي هي بمثابة عقبات خلال عُمرنا، من خلال نظام حسابات العناصر ذات الأصل الصيني، إلا أن أكثرها بروزًا لدى التبتيين هو "عقبة سنة العُمر". ويحدث ذلك في كل سنة تشهد تكرُّر علامات الحيوان لولادتنا. فإذا وُلدنا في سنة الفأر فستكون عندها كلُّ سنة لاحقة لسنة الفأر "سنةَ عقبة". إذًا يحدث ذلك كل اثنتي عشرة سنة. وحسَب الطريقة التبتية في حساب العُمر - كما سبق بحث ذلك - خلال السنة الأولى من هذه السنوات نبلغ من العمر سنة واحدة خلال الثلاث عشرة سنة الثانية، وهلُمَّ جرًّا.

الاستخدام الشعبي لعِلم التنجيم بين التبتيين

إن عِلم تنجيم الأبراج - الذي يبحث في ساعات اليوم من حيث الفأل والشؤم - هو الخاصية التنجيمية الرئيسة النابعة من الروزنامة التبتية، كما أن له دورًا شديد الأهمية في الحياة التبتية؛ إذ إنه يضم أول خاصيتيْنِ تقويميتيْن شاملتيْنِ: يوم الأسبوع القمري، ومجموعة نجوم القمر.

إنَّ كُلاًّ من المجموعات النجمية القمرية الثماني والعشرين، وأيام الأسبوع القمرية السبعة، والأجرام السماوية، ترتبط بعُنصر أو بأربعة، هذه الأربعة من أصل خمسة عناصر هندية، وهي: التراب والماء والنار والريح. أمَّا عنصر تعاقب القمر المرتبط بالمجموعة النجمية لتاريخ محدد فيُقارَن مع عنصر يوم الأسبوع القمري المتكرر. ولكل من التركيبات العشرة المحتمَلة من العناصر تفسيرٌ مختلِف، اعتمادًا على تحديد فِعلٍ مُعيَّن: هل من الأفضل أداؤه في ذلك الوقت أم لا؟

هذا هو نظام الملاءمات العشر الأقل احتمالاً. فعلى سبيل المثال، إذا كنا نحتفل بتقدِمة النار في نهاية ارتداد التأمُّل فسيكون من الأفضل اختيار ساعة أثناء فترة النار المضاعفة، التي ستعزِّز النار، عِوضًا عن فترة نار-ماء التي ستُخمد اللهب.

ومن بين التبتيين يُستشار علماء التنجيم بصورةٍ أكثر شيوعًا، لفحص أبراج حديثي الولادة، وكذلك حالات الزواج وحالات الموت. وتُدمَج جوانب من نظامَيِ الحساب الأبيض والأسود لرسم البرج. وما يثير اهتمام الوالديْنِ على نحوٍ خاصٍّ هو فترات الحياة غير المتوقعة لأولادهم، فإذا كانت فترة الحياة قصيرة وستشهد الكثير من العقبات يُجرَى الكثير من الاحتفالات الدينية المختلفة، وطَلْبُ نحت التماثيل ورَسْمِ اللوحات.

فقبل الزواج يُفحَص مدى توافق الزوجيْنِ - كما ذُكر سابقًا - من خلال مقارنة عناصر الحصى والتريقرامات الخاصة بهما. ويُعدُّ يوم السبت هو يومَ الازدهار في الأسبوع؛ لذلك يكون هذا اليوم في حسابات الزواج أنسبَ يومٍ في الأسبوع لوصول العروس وانتقالها إلى بيت عائلة زوجها، وتُعطي عائلتا الزوجيْنِ عالِمَ التنجيم الأسبوع التقريبي الذي يرغبان بإقامة العُرس فيه. وبعد ذلك يُختار اليوم الأكثر سعدًا في الأسبوع، والوقت ضمن هذه الفترة حسَب نظام الملاءمات العشر الصُّغرى، وإذا تَبيَّنَ أنَّ يوم السبت مشئوم يَختار الزوجان أقرب تاريخِ سعد، رغم الاستمرار بنُصح العرس في دلا إله إلا الله محمد رسول الله بيت زوجها الجديد يوم السبت السابق ليوم السعد.

سيستشير كلُّ تبتي تقريبًا عالمَ تنجيمٍ في حال وفاة أحدهم، اعتمادًا على أنه عندما يَحِلُّ الموت تُجرى الحسابات حسب نظام العناصر ذات الأصل الصيني بخصوص زمن تحريك الجثة، واتجاه تحريكها من الموضع الذي مُدِّدَت فيه بشكلٍ ما، وأَخْذها لدفنها أو إحراقها، غير أن الوقت الفعلي لحرق الجثة أو الجنازة نفسها لا يُحسَب، ولا تتدخل أيام السعد والشؤم التي تُحددها لملاءمات العشر الأقل أبدًا، كما تُحدَّد أنواع الطقوس التي يجب أداؤها للموتى، خاصَّةً إذا كان الأمر يتعلق بأرواح ضارَّة مع الموت.

يسعى التبتيون كذلك إلى نصيحة عالِم التنجيم بالنسبة لأيام السعد عامَّةً لنقل البيت أو فتح دكان جديدة، أو بدء مجازفة في العمل. وفي التبت تتعلَّق المسألة الأخيرة بيوم البدء في تحريك البيت المتنقل ووقته، بينما في الهند نجد أن المناسبات الأكثر انتشارًا هي مغادرة البيت، والذهاب لبيع سترات جاهزة وملابس في شوارع المدن الهندية المُختلفة المسافات، وهذه هي إحدى أكثر الوسائل شيوعًا لكسب لقمة العيش بين التبتيين في الغربة.

هناك مناسبات أخرى يُختار فيها أيام السعد دائمًا؛ عندما يُتوِّج لاما شابًّا متجسِّدًا، وعندما يُجري لاحقًا تقدِماتٍ رسمية إلى ديره ليبدأ دراساته، وعندما تُرسل عائلةٌ ابنها ليدخل ديرًا أو دير راهبات، وعندما يُجرِي غيشي جديد - بعد إكماله دراسته الدينية واجتيازه الامتحانات - تقدِمات رسمية إلى ديره. ومن العادات التبتية كذلك قصُّ شَعَر الأطفال أول مرة بعد نحو سنةٍ من ولادتهم، ويجب أن يكون ذلك في يوم سَعد، وإلاَّ فإنهم يُعتقَدون أن هؤلاء الأطفال ستصيبهم أورام أو جروح.

ويستشير الأطباءُ التبتيون عِلم التنجيم الطبي عند تحديد أنسب أيام الأسبوع لإجراء علاجٍ طبي خاص لمريضٍ ما، مثل كَيِّ الجلد، أو وخز الإبر الذهبية. فأيام قوى الحياة وروح الحياة للمريض - المحدَّدة من علاماتهم الحيوانية لولادتهم - ستُختار، ثم تترك المُميتة منها.

وعندما يُقدَّم طقسُ حياةٍ طويلة لأحد اللامات يكون ذلك في الصباح الباكر من يوم قوة الحياة وروح الحياة الخاص به. فقد وُلدَ قداسة الدالاي لاما في سنة الخنزير الترابي، وبما أن يوم روح الحياة الخاص به هو يوم الأربعاء فإن الكثيرين من اللامات يبدءون في تعليم مجرى هذا اليوم من الأسبوع لأسباب السعْد، وعندما يُعَدُّ لإنجاز الطقوس الشعائرية لمساعدة شخصٍ مريض يُختار أيام قوة حياته وروح حياته كذلك.

أمر آخر، هو أن التبتيِّين عادةً ما يستشيرون علماء التنجيم في أعمالهم، هل ستلقى نجاحًا هذه السنة أم لا؟ ويتكهَّن عالِم التنجيم حسَب رسمٍ واحدٍ يَرِدُ في نظام "الصعود من أحرف العِلة". ويجب طرح السؤال بصيغةٍ رسمية، ويُجرى حساب من عدد الكلمات في السؤال، وعدد الأشخاص في الغرفة، إضافة إلى مكان السؤال المطروح وزمانه.

التوجُّه البوذي نحو عِلم التنجيم

هناك الكثير من المتغيِّرات التي يمكن أن تؤثِّر على تفسير أية فترة محددة، سواء أكان ذلك على الصعيد العام أم على الصعيد الفردي، وهي أنه في كل الأوقات تقريبًا سيحدث شيء ما سيئ، وليس لكل العوامل أهمية متساوية، فمتغيرات معينة فقط هي التي تُفحَص لحالة واحدة أو لأخرى، وبعضها سيُهيمن على بعضِها الآخر. وبذلك، إذا كان في الإمكان بَدء رحلةٍ ما في تاريخ التاسع أو التاسع عشر أو التاسع والعشرين، أو منح تمكين كلاتشاكرا في يوم بدر قمري، فلا يُعدُّ احتمال عدم تفضيل بعض العوامل أمرًا حاسمًا.

ليس الهدف من هذا النظام تقييد الناس بالخُرافات، بل إنه يُزوِّد عامَّةَ الشعب بشيء يشبه نشرة الأحوال الجوية. فإن كان لدينا فكرة عامة عن تاريخ معين أنه سيئ نوعًا ما فنستطيع أن نتخذ وسائل للوقاية في هذا اليوم من خلال إجراء طقوس معينة، مثل التصرف بحذر ولطف، وما شابه ذلك، وهي طقوس قد تساعدنا على التغلب على المشاكل أو تحاشيها. فالأمر أشبه بحمل مِظلَّة عندما يسمع المرءُ بأنها قد تُمطِر.

إن البوذية لا تنظر إلى عِلم التنجيم من حيث إنه عبارة عن تأثيرات مصدرُها الأجرام السماوية بصفتها أجسامًا موجودة بشكلٍ مستقلٍّ، لا علاقة لها بتاتًا بالتسلسل الذهني للفرد، وإنما بصفتها انعكاسًا لنتائج تصرفاتنا التلقائية السابقة أو الكارما، فالبرج يكاد يشبه فعليًّا خريطة تتيح لنا قراءة جوانب من الكارما الخاصة بنا، وإحدى النتائج الإجمالية لأفعالنا التلقائية في حيواتنا السابقة هي انعكاس حالات الكارما الخاصة بنا في الترتيبات الفلكية والتنجيمية التي وُلِدنا فيها. وهكذا، فإنها تساعدنا على معرفة كيفية التعامل مع أي مأزق، وبصورة مشابهة تُشير الروزنامة إلى النتائج الإجمالية المتراكمة، التي سيختبرها عددٌ كبيرٌ من الأفراد معًا.

ليس هناك أي شيءٍ حَتمي بالنسبة للرؤية الكونية الخاصة بالبوذية، فقد نشأت الحال الراهنة من أسبابٍ وظروف، وإذا تمكَّنَّا من قراءة تلك الحال بشكلٍ دقيق يمكننا أن نتصرَّف بطرُق مماثلة لخلق أسبابٍ وظروفٍ مختلفة لتحسينها حتى في هذا العُمر، من أجل إفادة أنفسنا والآخرين على حدٍّ سواء. غير أن ذلك لا يعني أنه من خلال القيام بالتقدِمات أو الأضحيَّات إلى الآلهة المتعددة للأجرام السماوية فإننا نهدف إلى تسكينها واتِّقاء شرِّها، بل يكون ذلك من خلال تعديل توجهاتنا وسلوكياتنا الخاصة.

وعلى المستوى الشعبي عندما نريد إطالة أعمارنا فمن المستحسن أن ننحِت تمثالاً أو نرسُم لوحة لبوذا، حينئذٍ يبدو الأمر أننا نطلب العون والإحسان من ذلك الرمز المنحوت أو المرسوم, وهذا ظن يدلُّ على جهل؛ فالتوجه النابع في مثل هذه المباشرة هو الذي يحمل الأهمية الكبرى، وإذا كان التوجُّهُ توجُّهَ الخوف والأنانية فسيكون التأثير ضعيفًا، وأما الحالات ذات التأثير الأكبر في إطالة أعمارنا وتحسين صحتنا وأوضاعنا المادية فهي الممارسات التأمُّلية، عندما تجرى بحماسة القادر على إفادة الآخرين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 9:05 pm

مدخل إلى الطِّبِّ التبتي


مقدمة وخلفية تاريخية



الطِّبُّ التبتي له تاريخٌ طويل، وكان هناك تقليدٌ أصلي للطب في التبت. فمع تشكيل الإمبراطورية التبتية في القرن السابع الميلادي من العصر الحديث دُعِيَ الأباطرة الأطباء من الهند والصين، ومن المناطق الفارسية والرومانية في آسيا الوسطى كذلك. وبعد ذلك في نهاية القرن الثامن دُعِيَ المزيد من الأطباء من هذه المناطق. ورغم أن التعاليم البوذية حول الطِّبِّ في ذلك الوقت جاءت من الهند إلى التبت، فقد تزامن حدوث ذلك مع وصول تعاليم البادماسامبافا والنيِنغما.

وفي ذلك الوقت نشأ نقاش كبير حول نوعَيِ البوذية والطِّبِّ اللذين يجب اعتمادُهما في التبت، ورَجَحت كفة أنظمة البوذية الهندية بالنسبة لِكلا النوعيْنِ لأسبابٍ لن نذكرها هنا. كان هناك طبيبٌ تبتي عظيم في ذلك الوقت قد مزج بين بضعة جوانب من الطِّبِّ الصيني واليوناني، وهي كانت سائدة في آسيا الوسطى، مع التعاليم البوذية الهندية الأساسية عن الطب. وكما أُخفِيَ كثيرٌ من النصوص البوذية في ذلك الوقت بسبب الصعوبات الجمَّة، كذلك أُخْفِيَت النصوص الطبية، وأُعيد اكتشافُها في القرن الثاني عشر، وتُعاد صياغتها وتحديثها بشكل خفيف، وينبع النظام الطِّبِّيِّ التبتي الحالي من عملية التنقيح هذه.

انتشر الطِّبُّ التبتي من التبت إلى منغوليا وشمال الصين وسيبيريا، ومناطق كثيرة في آسيا الوسطى، وصولاً إلى بحر قزوين. وساهم الطِّبُّ التبتي - مثل كثيرٍ من جوانب الثقافة التبتية - في تشكيل ما يُمكن عَدُّهُ مماثلاً للثقافة اللاتينية في أوربا في العصور الوسطى؛ إذ انتشر تأثيره من بحر قزوين إلى المحيط الهادئ، ومن سيبيريا إلى جبال الهيملايا. وكان يمثل حضارةً ضخمة. والآن دعونا نُلقِ نظرة على النظام الطبي التبتي نفسه.

تصنيف الأمراض

وجدنا أن الأمراض مُصنفةٌ إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: تُسمَّى: الأمراض الناشئة بصورةٍ شاملة، مثل: الاضطرابات الجينية، والتشوُّهات الخِلْقية، وما إلى ذلك. والأمراض والتشوهات الناشئة بصورةٍ كاملة مصدرُها حيواتٌ سابقة، ويصعبُ جِدًّا علاجُها من وجهة نظر الطِّبِّ التبتي. ويستطيع المرءُ فقط أن يجعل الشخص المُصاب يشعر بالراحة. فعلى سبيل المثال، لو كنا نعاني من مرض مثل الربو منذ طفولتنا فسيكون الشفاء منه صَعبًا جِدًّا.

المجموعة الثانية: هي الأمراض التي تنبع من حالات أخرى. مثل: الاختلالات الجسمية التي تتطوَّر بسبب الظروف المختلفة: البيئة والتلوث والجراثيم والحالات المتنوعة. وهي نوعٌ عادي من الأمراض، وبالتالي فإنها تحظَى بالتركيز الأساسي للطب التبتي. وعلى سبيل المثال، الرَّبْو الذي يظهر في الحياة نتيجةً للعيش في مدينة مُلوَّثة وتحت ضغط شديد.

المجموعة الثالثة: فتُدعى - حَرفيًّا - الأمراض المُتخيَّلة. وهي الأمراض النفسية، أو الأمراض التي يراها التبتيون عامَّة أنها نتاج قوًى ضارَّة. وتضم هذه الفئة ارتجاج المُخِّ والانهيار العصبي الذي يحدث خلال الحرب. وتُعالَج هذه الأمراض بشكلٍ أولي من خلال طقوسٍ مختلفة. وقد يبدو ذلك مُنافيًا للعقل نوعًا ما بالنسبة لنا، لكننا إذا نظرنا إلى أفريقيا مثلا فسنفهم ذلك؛ فإذا مرضَ أحدهم بشدة فذلك يؤثر جِدًّا على جهاز المناعة. وقد وصف الطِّبُّ الحديث هذه الحالة ودرسها. فإذا كان المجتمع كله يسهر طوال الليل يرقص، أو يؤدي الفرائض فهذا يجعل المرء يشعر بأن كل فرد في المجتمع يدعمه، مِمَّا يُحسِّن من الحالة الروحية للمرء، وهذا يؤثر بالإيجاب على جهاز المناعة. ويمكن أن يحدث الأمر نفسه عندما يكون لدينا مجموعة من الرهبان أو الراهبات الذين يمارسون طقسًا ما لأجلنا، فهذا يُقوِّي جهاز المناعة، لدرجةٍ يشعرُ معها المرءُ بأنه أفضل بسرعةٍ أكبر.

الأمراض التي تنبع من الحالات الأخرى: العناصر الخمسة والأمزجة الثلاثة

دعونا ننظر إلى المستوى الثاني من الأمراض. وبدايةً سننظر إلى طبيعة الأمراض نفسها، فإنَّ الجسم يُعايَن من حيث توازن خمسة عناصر أو ثلاثة أمزجة؛ تضم العناصر الخمسة: التراب والماء والنار والريح والفضاء. وهي ليست أشياء مجرَّدة أو غريبة لا تتعلق بالجسم؛ إذ تُشير الأرض إلى الجانب الصلب من الجسم، والماء إلى السائل، والنار إلى الحرارة (بما في ذلك الحرارة الهضمية والحموضة)، وتشير الريح إلى الغازات داخل الحسم وإلى الطاقة فيه التي تشمل الطاقة الكهربائية للجهاز العصبي، ويُشير الفضاء إلى الجوانب المكانية داخل الجسم: موقع الأعضاء المختلفة والأعضاء الفارغة المختلفة، مثل المَعِدة وما إلى ذلك. ويُنظر إلى الأمراض على أنها عدم توازن هذه الأشياء؛ حيثُ يُعَدُّ نظام العناصر الخمسة مصابًا بسوءٍ ما.

إن النظرة الطبية التبتية للمرض من حيث اختلال توازن الأمزجة الثلاثة مأخوذة عن اليونانيين، غير أن الكلمة الفعلية بالسنسكريتية والتبتية تعني حَرفيًّا "الأشياء التي يمكن أن تسوء". والأمزجة عبارة عن ثلاثة أنظمة في الجسم، لكل نظام خمسة أجزاء. وليس من الواضح بالنسبة لي سبب تجميع خمسة مُركَّبات معًا في نظامٍ واحد. والأنظمة الرئيسة الثلاثة هي: الريح والصفراوية والبلغم. فدعونا ننظر إلى ما تنطوي عليه هذه الأنظمة.

بشكلٍ أولي تُشير الريح إلى الريح في الجسم، وهناك رياحٌ تتعلَّق بالقسم الأعلى من الجسم: الطاقة الواردة والصادرة من القسم الأعلى من الجسم، مثل: البَلْع والتَّحَدُّث وما إلى ذلك. أما الرياح التي تتعلَّق بالقسم الأسفل من الجسم فهي الطاقة الواردة والصادرة من القسم الأسفل من الجسم، مثل: كبت الإفرازات أو إطلاقها، والحيض أو النشوة الجنسية. وتتعلَّق أحد جوانب الطاقة بدورة الحسم وضغط الدم، فنحن لدينا طاقة فيزيائية فعلية تتعلق بالحركة، في حين أن أنواع الطاقة المختلفة تَتعلَّق بالقلب.

وتتعلَّق الصفراوية بجوانب معينة من عملية الهضم، مثل الصفراوية النابعة من الكبد، وهي تتعلَّق بجوانب مختلفة من تلوُّن المادة، فمثلاً عندما تصيبنا حرقة شمس، مع الهيموجلوبين، وخلايا الدم الحمراء، والأمور المتعلقة بالعينيْنِ.

ويتعلَّق البلغم بأنظمة المُخاط والأنظمة الليمفاوية في الجسم، ويتعلق أيضًا بحالات الإصابة بالبرد، ومشاكل التجويفات وغيرها، إضافةً إلى الجوانب السائلة لحركة المفاصل، ولستُ مُتأكِّدًا من المصطلح الطبي الغربي التِّقَني هنا، وأعتقدُ أنه يُدعى السائل الزُّلالي. وعلى سبيل المثال، الروماتيزم والتهاب المفاصل عبارة عن اضطرابات في البلغم، والهضم عبارة عن عملية مُعقَّدة ترتبط من خلالها جوانب معينة من الريح والصفراوية والبلغم بمراحل مختلفة. وهذه جميعها عبارة عن أنظمة شديدة التعقيد. وكما أقول ليس من السهل رؤية كيفية تلاؤم الفئات الخمس للأمزجة الثلاثة معًا في مزاجٍ واحد.

ويُعَدُّ المرض اختلالاً في توازن هذه الأمزجة الثلاثة، مما قد يعني أن أحدها قوي جِدًّا أو ضعيفٌ جِدًّا. وقد يكون هناك اضطرابات بسيطة، وأخرى تتعلق بعدة أنظمة في الوقت نفسه. فالطِّبُّ التبتي عبارة عن نظام شامل يعالج الجسم كله؛ لأن كل أنظمة الحسم مترابطة مع بعضها البعض.

هناك طرقٌ عدة لتصنيف الأمراض، ويُعدُّ الدم أحيانًا نظامًا رابعًا يضُمُّ معه العضلات في الجسم. ومن خلال ذلك التقسيم يمكن لنا أن نُقسِّم أنظمة اضطرابات الصفراوية والدم والحرارة ضمن فئة واحدة، واضطرابات الريح والبلغم والبرد ضمن فئة أخرى. وكثيرًا ما يُحلِّل التبتيون الأمراض من حيث سخونتها أو برودتها، لكنني لستُ متأكدًا تمامًا ما المقصود بالضبط بالحرارة أو البرد، ومن المؤكد أنها لا تتعلق بدرجة الحرارة.

أسباب المرض

بصورةٍ عامة، يمكن أن يصاب المرءُ بالمرض نتيجةَ حمية غذائية، وهو: تناول الطعام الذي لا يتجاوب مع جسمنا أو الطعام الدهني تمامًا. ويمكن أن تصيبنا الأمراض نتيجةَ مشاكل في سلوكنا، مثل الخروج في طقس بارد دون ارتداء ملابس كافية. والجلوس خارجًا على أرضية باردة، أو على صخرة رطبة باردة، هو سببٌ أكيدٌ لمشاكل الكُلْيَة. ويمكن أن يُسبِّبَ المرضَ كائنات دقيقة، مثل الجراثيم أو الميكروبات. وذلك شبيه بما يطرحه الطِّبُّ الغربي. ولكن ما يطرحه الطِّبُّ الصيني يتجاوز ذلك؛ من حيث إننا قادرون على النظر إلى مرحلة أعمق تكون سببًا لحدوث المرض. وأُرَجِّح أن أكثر الطرق فائدةً وإثارةً للاهتمام هي النظر إلى الطِّبِّ التبتيِّ؛ من حيث طرقنا الأربع للتفكير هي الفكرة الكُلِّيَّة بأن السبب الكامن والأساسي لاختلال التوازن الجسمي هو اختلال توازن العاطف والعقل.

وإذا أردنا التغلُّب على مرضٍ ما بشكلٍ كامل فعلينا أن نصبح متوازنِينَ على كل المستويات، خاصَّةً على المستوى العاطفي والعقلي. وهناك ثلاث عواطف أو مواقف مثيرة للقلق بشكلٍ أولي؛ يسعى الأول إلى الرغبة والارتباط، وهي رغبة عصبية، تُشعر المرءَ أن عليه أن يفهم الأمر وإلاَّ فسيُجَنُّ. والثاني هو الغضب. والثالث هو الأفق الضيِّق والعِناد الساذَج. وترتبط هذه الأمور باضطرابات الأمزجة الثلاثة؛ فمن الرغبة تأتي اضطرابات الريح، ومن الغضب اضطرابات الصفراوية، ومن ضيق الأفق اضطرابات البلغم. وذلك مثيرٌ للاهتمام جِدًّا. دعونا نقترب منه أكثر.

كثيرًا ما تتميز اضطرابات الريح بالتوتُّر الشديد، وتتعلَّق هذه الاضطرابات بضغط دمٍ مرتفع. كما ينتابنا إحساسٌ عارمٌ بضيقٍ في الصدر، ويصبح قلبنا - كما يقال - كَسِيرًا، ونشعر بالاكتئاب الشديد، وتلك عبارة عن اضطرابات ريح كثيرة الحدوث، ترتبط برغبة السعي. فعلى سبيل المثال، إذا كنا مُتعلِّقين جِدًّا بجني الكثير من المال فإننا نعمل ونعمل، ويُؤدِّي هذا إلى ارتفاع ضغط الدم، ويصيبنا التوتر باستمرار. وإذا كنا متعلِّقين جِدًّا بأحدهم، وتُوفِّيَ هذا الشخص أو تركنا، تنتابنا أعراض القلب المكسور كلها. أمَّا الأشخاص الذين يمارسون التأمُّل بشكل غير صحيح، ويتحمَّلون ما لا طاقة لهم به، فيُطوِّرون كذلك اضطرابات الريح. وعندما نُحمِّل أنفسنا فوق طاقتها في أيِّ شيء فإنها تعصر الطاقة في الجسم، ممَّا يُؤدِّي إلى استقامة الصدر والتوتر وجنون الشكِّ، وما إلى ذلك. وتُعدُّ الأمعاء أو المَعِدة التي تَتعرَّض إلى التوتُّر صورةً من صوَر اضطراب الريح. أمَّا السبب النفسي الكامن لهذه المشاكل فهو التعلُّق أو الرغبة المفرطة.

وتنبع اضطرابات الصفراوية من الغضب. وتتعلَّق القرحة - إذا كان هناك الكثير من الصفراوية في المَعِدة - بتعرُّض المرء إلى نوبة غضبٍ شديدة، وعندما نغضب يتحوَّل لوننا إلى الأحمر. وتؤثر الصفراوية على تَلوُّن المادة، فيتحوَّل لوننا إلى الأصفر عند الرضا، وإلى الأحمر عند الغضب. كما أن هناك صفراوية أوجاع الرأس، التي غالبًا ما تأتي مع الغضب: احمرار العينيْنِ واحمرار الرأس.

يَتعلَّق البلغم بكوْنِ المرء ساذجًا وضيِّق الأفق، ونتمسَّك بالأفكار بعِنادٍ شديد، ولا نرغب في الاستماع لأي شخصٍ آخر. أو تكون قلوبنا مغلقة في وجه أشخاصٍ معينين؛ لأننا لا نريد التعامل معهم. وعندما نُغلق باب العقل والقلب تُغلق معها جيوبنا، ونعاني من مشاكل في التجاويف، أو نعاني من مشاكل في صدرنا، مثل الالتهاب الرئوي والربو، أو انغلاق الجسم، وتصلُّبه مع التهاب المفاصل والروماتيزم، ويعكس الجسم حال العقل إن لم يكن مَرِنًا.

ورغم أن ذلك قد لا يكون دقيقًا بشكلٍ كامل، إلا أننا يمكن أن نُطبِّق هذا النوع من التفكير على الأمراض الأخرى كذلك. وكثيرًا ما نكتشف أن الأشخاص الذين يعانون من مرض السرطان يعانون من ميل شديد إلى تدمير الذات. فبعد وفاة عمَّتي - مثلاً - لم يعد عمِّي يمتلك الرغبة في الحياة، وبدأ يتَّجه إلى تدمير ذاته، وسَرعان ما أُصِيبَ بمرض السرطان؛ حيث دمَّر الجسم كله، وتُوفِّيَ خلال سنة. ويمكن للمرء أن يفكر أن الحالة العقلية تنعكس من خلال تدمير الذات الذي يجلبه السرطان، وهذا ليس صحيحًا، كما هو واضح بالنسبة لكل حالة سرطان، إلا أنه يعطينا شيئًا مثيرًا للاهتمام حتى نُفكِّر به.

وبالنسبة لمرض الإيدز فلا يملك الجسم أيَّة قدرة على محاربة الأجسام الغريبة، ولم يكن بعض الأشخاص المصابين بالإيدز يستطيعون أن يحاربوا الإدمان على المخدرات أو الجنس المحرَّم. تمامًا مثل عدم قدرتهم على التحكُّم بأنفسهم أمامَ رغباتهم، ولا يستطيع الجسم الدفاع عن نفسه ضِدَّ أي شيء. وهذا هو جانب الطبِّ التبتي الذي أرى أنه الجانب الأكثر إثارة للاهتمام، بعيدًا عن الاستخدام الفعلي للدواء.

تشخيص المرض

نتابع مع النظام الطبي الفعلي. بالنسبة لتشخيص الأمراض فلدينا عملية الاستفهام عن المرض والفحص العَيْني وفحص النبض. ولا يهتم التبتيون كثيرًا بالاستفهام عن المرض، بل ينصبُّ اهتمامهم على القسميْنِ الآخريْنِ. ويَضُمُّ الفحص العَيْني فحصَ اللسانِ، لكن الشيء الرئيس هو فحص البول؛ فينظر الأطباء إلى عينة البول الأولى الصباحية، وتُؤخذ العَيِّنة إلى الطبيب في حاوية واضحة أو بيضاء، فيُحرِّكها الطبيب باستخدام عود، وينظر الطبيب على عدة مُتغيِّرات: أولاً ينظر الأطباء إلى اللون، وبعدها إلى نوعية الفُقَّاعات التي تنتج عن الخفق، وحجمها، وزمن بقائها، وكيف تبدو إذا تفرَّقتْ؟ وهل هناك دُهنيَّة مُعيَّنة في الأمر؟ وهل البول خفيف أم كثيف؟ وهل هناك أية ترسُّبات؟ كما أنهم يفحصون رائحتها. وإذا حصلوا على العينة في الصباح فورًا فيمكنهم أيضًا مراقبة كيفية تغيُّر لونها عندما تبرُد. ومع كل هذه التغيرات يمكن للمرء أن يقوم بتشخيصٍ شديدِ الدقة للمرض.

إن فحص البول في الحقيقة نظامٌ مُتميِّز للغاية لعملية التشخيص؛ لأنه - كما هي الحال عند فحص النبض - على الطبيب أن يأخذ بعين الاعتبار سِنَّ الشخص وجنسه والتاريخ الحالي. وعندما يقوم الأطِبَّاءُ بفحص البول يأخذون بعين الاعتبار كذلك الفترة التي مَكثها البول. ويتيح ذلك للأطباء فحص بول مأخوذ منذ أسبوع أو أسبوعين، وكان ذلك أمرًا مُساعِدًا في التبت؛ حيث كان يتوجَّب على أفراد العائلة أحيانًا أن يحملوا عينة البول على ثورٍ تبتي ضخم أسبوعًا أو أسبوعين قبل أن يصلوا إلى الطبيب. وفي الوقت الحاضر فنستطيع إرسال العينة إلى الهند عن طريق البريد الجوي.

يخضع نبض القلب للفحص كذلك، وهذا أمر يَنُمُّ عن ثقافة عالية؛ حيث يفحص الطبيب في العادة النبض من الرسغ، فوق الإبهام قليلاً، مستخدمًا ثلاث أصابع، ويضغط الطبيب بكل إصبع بدرجة مختلفة؛ حيث يتحسَّس بالسَّبَّابة سطح الجلد فقط لمعرفة النبض، بينما تضغط الإصبع الوُسْطَى أكثر قليلاً، في حين تضغط إصبع البِنصر (الإصبع التي تلي الوسطى) أكثر وأشد ما تستطيع، وتزحف كل إصبع بشكل خفيف من جانبٍ إلى آخر، ويكون ذلك على كِلا الرُّسْغَيْنِ. وبهذه الطريقة يقرأ كُلُّ جانب من الإصبع تشخيصَ كل عُضوٍ في الجسم.

ويُقَاس مستوى النبض من خلال مقارنته بأنفاس الطبيب، فلم يكن هناك ساعة يد في التبت القديمة، لذا كان على الطبيب أن يَعُدَّ عدد النبضات مقابل عشرة أنفاس منه مثلاً. بالإضافة إلى ذلك، يفحص المرءُ ما يحدث للنبض عندما يضغط بقوة أكبر: هل يختفي؟ وهل يرتد من جديد بقوة؟ وينظر المرءُ إلى طريقة تنقل النبض في الشريان من خلال تحسُّس انسيابه خلال الأصابع الثلاث. ويُلْحَظ "شكل" النبض: هل ينتقل؟ وهل يأتي بحالاتٍ قُصوى حادَّة؟ وهل يتحوَّل من جانب إلى آخر؟ هناك الكثير من الاحتمالات. ومن الواضح أن ذلك يتطلَّب أن يكون للطبيب أصابع حسَّاسة. في حين أن هناك فحوصات نبض تعتمد على نظام الأيوفيدا الهندي، الهندوسي المنشأ، إضافةً إلى الطِّبِّ الصيني؛ حيث تُمارس تلك الفحوصات بشكل مختلف في كُلِّ نظامٍ، ويبدو أن فحص البول يميز النظام التبتي.

العلاج

من خلال فحص هذه الأشياء المختلفة يستطيع الطبيب أن يتوصَّل إلى التشخيص. وبعد ذلك نحتاج إلى علاج. ويشمل العلاج ضبط الحمية الغذائية، وضبط السلوكيات وتناول الدواء، لكن هناك أساليب أخرى لعلاج الحالات المتعدِّدة، بما في ذلك علاج الوخز بالإبر وتسخين الإبر، وهو عبارة عن حرق أعضاء من الجسم.

الحمية

لو كنا نعاني من اضطرابات في الريح فإن بعض الأنواع المعينة من الأطعمة ستكون مُضِرَّة جِدًّا. فعلى سبيل المثال الكفايين الموجود في القهوة مثلاً، سيزيد من سوء اضطراب الريح. نحن شديدو التوتر وضغط الدم مرتفع. العدس مثل الفاصولياء يُصدر ريحًا، وتمرير الغاز يشير إلى ذلك. وبالنسبة لاضطرابات الصفراوية فإنَّ البيض والأطعمة الدُّهْنية أو المقلية تُعَدُّ مُضرة جِدًّا، ونَلْحَظ ذلك في الغرب أيضًا. قد تكون بعض أنواع الأطعمة الأخرى مفيدةً بالنسبة لهذه الاضطرابات، فعلى سبيل المثال، شرب الماء الساخن يُعَدُّ مُفيدًا جِدًّا للبلغم؛ لأنه يزيل المخاط.

تعديل السلوكيات

بالنسبة لتعديل السلوكيات، فإذا كنا نعاني من اضطراب في الريح فمن المهمِّ أن نبقى دافئين، وأن نكون بصحبة أصدقاء مُقرَّبين. والضَّحِكُ أمرٌ مفيدٌ جِدًّا في حالة اضطرابات الريح. وإذا كُنَّا شديدي الاكتئاب ومُتوتِّرين فالضحك يُحرِّرُنا من ذلك. النظر إلى مسافة بعيدة - كالنظر إلى الأفق مثلاً - أمرٌ مساعدٌ جِدًّا. كذلك، يمكننا تفادي بعض الأمور، مثل الوقوف أمام مروحة أو في الخارج في رياحٍ قوية. وكثيرًا ما يرى الناس أن الآلات عالية التأثير التي تُصدر ضجيجًا، مثل آلة جَزِّ الأعشاب أو المكيفات الهوائية، ستزيد من توتُّرهم. حتى بالنسبة لاضطرابات الصفراوية، فمِن المفيد جِدًّا المحافظة على البرودة، والبقاء بعيدًا عن الشمس. أمَّا بالنسبة للبلغم، فيُعَدُّ التمرين والحفاظ على الدفء أمرًا مُفيدًا جِدًّا، ويعطي المفاصل مرونة أكثر، ويساعد على إزالة المخاط.

الأدوية

يُعَدُّ تناول الأدوية العلاج الأساسي في الطبِّ التبتي، فالدواء مُكوَّنٌ أساسًا من الأعشاب، كما أنه يشمل مَوادَّ معدنية متنوعة وما إلى ذلك. ويمكن لكل دواء أن يحتوي على خمسين مُركَّبٍ أو أكثر، وتكون الأدوية مخلوطة في العادة ومسحوقة على شكل أقراص، ويجب مضغ هذه الأقراص وابتلاعها مع الماء الساخن، وإذا لم نمضغها وابتلعناها فقط فستَمُرُّ في جسدنا دون أن تتحلَّل، فهذه الأقراص صَلبة جِدًّا. يتمتع التبتيون بأسنان قوية جِدًّا، فإذا وجدناها صعبة المضغ فيمكننا أن نلفَّها بمنديل مثلاً ونسحقها بمطرقة.

وتُتناوَل الأدويةُ إمَّا قبل نصف ساعة من وجبة الأكل، وإمَّا بعد نصف ساعة منها. وأحيانًا يُوصَف قرص رابع ليُتناوَل نحو الساعة الرابعة بعد الظهر؛ لأن وقت الغداء بالنسبة للتبتيين يعني الظهر. وهنا في المكسيك، وفي الدول اللاتينية الأخرى، إذا وُصِفَ لكم أربعة أدوية مختلفة فعليكم بتناول الدواء المذكور عليه "غداء" ظهرًا، والدواء المذكور عليه "الساعة الرابعة" بعد وجبة بعد الظهر.

إحدى فوائد الطِّبِّ التبتي العظيمة هي أنه في معظم الأوقات - مع بعض الاستثناءات - ليس له آثار جانبية. ولكنه أشبه قليلاً بالطِّبِّ المثلي، ليس من حيث كونه يتضمن جرعات صغيرة، بل من حيث إن الطبَّ يجمع المرض أولاً بحيث يكون مُركَّزًا، وبعدها يُدمِّرُه. ونتيجةً لذلك يزداد المرض سُوءًا في البداية في كثيرٍ من الأحيان، ولكن ليس دائمًا، ويشير ذلك ببساطة إلى أن الدواء يسحب المرض دفعةً واحدة ليتخلَّص منه، وعلى المرء أن يكون صبورًا، وأن يمر بالمراحل الأولية.

يجب مضغ الدواء أثناء تناوله وذلك لهضمه بشكل مناسب، ولتذوقه أيضًا، وعادةً ما يكون المذاق سيِّئًا. ويمكن أن يكون للدواء مذاقات لا يتصوَّرها المرءُ أبدًا. والمذاق مهمٌّ؛ لأنه ينشط الإفرازات المتعددة في الفم وفي الجهاز الهضمي. ويعمل الدواء جزئيًّا من خلال تنشيط الجسم على إفراز وإنزيمات وما إلى ذلك، وعلى المرء أن يصبر على مذاق الدواء.

من المثير للاهتمام حَقًّا أن الأطعمة والمركبات المختلفة للطب الصيني مُصنفة حسب المذاق، وليست مصنفة حسب التصنيف الصيني للعناصر الخمسة أو الين واليانغ، ولا حسب تصنيف الأيورفيدا الذي يعتمد على الخصائص الثلاث: الراجاس والساتاف والتاماس. ويصنف الأطباء التبتيون الأطعمة اعتمادًا على مذاقاتها الأولية والنهائية، وبعض المذاقات المعينة مناسبة لأنواع مختلفة من الاضطرابات.

كما أن هناك نظامًا من نحو ثمانية عشر نوعًا من أجود الأطعمة والأعشاب. والمثير للاهتمام هنا هو أن مكان نشوء الطعام أو الأعشاب يُؤثِّر على جودتها؛ فما ينبت في مكانٍ عاصف أَجْوَدُ ممَّا ينبت في مكانٍ جافٍّ. ويتحول الأمر إلى مشكلة - نوعًا ما - من حيث نمو النباتات الطبية؛ لأنها يجب أن تنبت في بيئتها الطبيعية.

التدليك والوخز بالإبر

في الطِّبِّ التبتي ليس هناك اهتمامٌ كبير بالتدليك، إنما هناك نوعٌ من الدَّهْن بالزيوت الطبية لأمراض معينة، ولكن عملية الدَّهْن تتم دون اللجوء إلى نوعٍ من التدليك غير المباشر. ولا يتعامل الطِّبُّ التبتي بالإحساس كما يفعل نظام ريكي الياباني، بل هناك شكلٌ من أشكال الوخز بالإبر يختلف عن وخز الإبر الصيني. ونقاط الوخز تختلف، كما أن أوصاف المحطات التي تتحرك الطاقة من خلالها عبر الجسم تختلف كذلك. وكما أن أنواع المحاقن (المحقنة أداة حقن الدواء) المُستخدَمة تختلف؛ حيث يستخدم التبتيون مَحاقن من مواد مختلفة، والمِحْقَنة الذهبية هي أكثر المحاقن رواجًا، وهي توخَز في القسم الناعم من أعلى الرأس لتنشيط الأعصاب المختلفة، ويتناولها أصحاب حالات معينة مثل الصَّرَع.

الحرق

الموكسا هي تطبيق الحرارة أو حرق أعضاء من الجسم، يُنفَّذُ ذلك على النقاط نفسها التي يوخَز المرءُ فيها بالإبر. تكون الموكسا أكثر تأثيرًا في الأماكن المرتفعة والباردة، ففي أكثر المناطق سخونة وأقلها أيضًا تكون المحاقن أكثر تأثيرا عن النقاط نفسها، ولكن بالنسبة لأمراض مُعيَّنة فيُفضَّل اللجوء إلى طريقة الموكسا.

وتكمن النظرية في وجود حاجزٍ يحول دون تدفق الطاقة عبر المحطات الرئيسة، لذا يُزال الحاجز من خلال حرق أو تنشيط هذه النقاط بالحَقْن. وتكون الصيغة الأخفُّ باستخدام نوعٍ من الحجارة، يُوضَع على مقبض خشبي. وحَجَر زي أبيض اللون وصاحب خطوط بيضاء هو حجرٌ خاصٌّ جِدًّا يوجَد في التبت، ويُسَخَّن عن طريق حَكِّه بلوح خشبي، وبعدها يُوضَع على نقاط مُعيَّنة من الجسم، وهي طريقة فَعَّالةٌ جِدًّا. وقد سبق أن جربتُها شخصيًّا حوالي مِئة مرة لعلاج عدة اضطرابات. فدعوني أَصِفْها لكم.

قد ظهرت لدي علامات أولية لروماتيزم المفاصل، فكانت تنشأ لدي كُتل مؤلِمة في الكتفيْنِ والوركيْنِ، وأعطاني الطبيب دواءً لسحب ما يدعوه التبتيون "مادة ليمفاوية" من داخل هذه النقاط المؤلمة وحرقها، وفعل بذلك على مدار ثلاث سنوات أو أربع. والحرق ليس سَيِّئًا للغاية، فله أثر كأثر حرق السجائر ولا يُؤلم كثيرًا، رغم أنه يبدو مختلفًا تمامًا. ولا أعرف كيف سيكون وصفكم له من المنظور الطِّبِّيِّ الغربي، لكن تفسيري الخاصُّ لما كان يجري هو وجود نوع ما من التورُّم داخل عُقَد الليمفاويات في المفاصل، أو لعلَّها كانت مشكلة مع السائل الزلالي حول المفاصل. وعلى كل حال، فعندما نفَّذ الطبيب الحرق على تلك النقاط تحوَّل السائل في الداخل، الذي كان يسبب الضغط المؤلم، إلى بثرة؛ لأن الألم كان قد توقَّف فورًا عند الحرق. ونظرتُ إلى الأمر من زاوية أخرى، وهي أنه في حال حَرْق الجسم في نقاط معينة فإنه يُرسل إنذارًا؛ إذ تتَّجه كِمِّيَّات كبيرة من خلايا الدم البيضاء إلى ذلك المكان، لتُساعد على الشفاء من أيِّ اضطراب يقع بجانب الحرق، ووجدتُ أنَّ هذا العلاج مساعِد جِدًّا، وقد تماثلتُ إلى الشفاء بعدها.

وحدث أن عانيتُ من مرضٍ آخر. فأحيانًا عندما يصعد المرءُ الجبال وينزل منها كثيرًا يبدأ أحد الأوتار بالضغط مقابل العظمة على الركبة، فيسبِّب بذلك ألمًا شديدًا. ثم توجهت إلى طبيب غربي فقال لي: "ليس عليك إلا أن ترتدي ضِمادة مَرِنة حولها عند المشي". فشكرته، ثم خضعتُ لوخز الإبر الصيني، ولم يساعدني ذلك. وفي النهاية عُدتُ إلى الهند، وقابلتُ طبيبي التبتي، فأجرى عملية الحرق على الركبة تمامًا، وعلى مكانٍ آخر في القسم العُلويِّ من الساق، وتماثلتُ إلى الشفاء تمامًا. ولذا، ومن تجربتي الشخصية، اكتشفتُ أن حرق الموكسا نوع علاجيٌّ فَعَّالٌ جِدًّا.

أحد أكثر الأنواع فَعَّاليَّة من الحرق يُنفَّذ باستخدام قضيب من الحديد أو الفضة المُحمَاة على الفحم. ولقد رأيتُ أن هذه الطريقة تُستخدَم لعلاج مشاكل العمود الفِقَريِّ؛ حيث توجد مشكلة في انتظام أسفل الظهر، أو في العمود الفِقَريِّ. ويكون الحرق على مناطق مُعيَّنة قريبة من العمود الفقري، وتُسبب صدمة رهيبة للجسم تدفعه إلى تصحيح نفسه. مرة أخرى، تبدو طريقة متخلفة، ولكنَّها فَعَّالة.

أمَّا نوع الحرق الأكثر شِدَّةً من ذلك فهو حرق على شكل مخروطي مُعيَّن من العجين الذي يحترق ببطء، ويُستخدَم هذا النوع من الحرق لالتهابات المفاصل والروماتيزم الشديد، الذي لا يستطيع المرء معه أن يحرك مفاصله.

أنواع أخرى من العلاج

هناك بعض أنواع المراهم المصنوعة من الزيت أو الزُّبْد المخلوطة بأعشاب مختلفة، وتُستخدَم لعلاج اضطرابات الجلد. حتى إن هناك مَحاقِنَ شَرَجيَّة تُساعد على علاج اضطرابات الأمعاء السفلية، كما أن هناك أنواعًا مُعيَّنة من المساحيق التي يمكن استنشاقها مثل مشاكل السُّعوط والتجويف. كذلك يستفيد التبتيُّون كثيرًا من الينابيع المعدنية الحارَّة.

التدريب

يستلزم النظام الطبي التبتي فترة طويلة جِدًّا من التدريب، فعادةً ما يخضع الأطباء للتدريب مدة سبع سنوات، يتعلَّمون خلالها كيفية شفاء الناس، بالإضافة إلى علاج الحيوانات كذلك، فيتعلَّمون الطِّبَّ وعِلم الأدوية أيضًا، ويتعلَّمون التعرُّف على النباتات الطبية؛ كيفية جمعها، وكيفية صنع الأدوية منها.

عِلم التنجيم

ينطوي النظام التبتي كذلك على دراسة عِلم التنجيم، فيرمز كلَّ يوم من أيام الأسبوع إلى حيوانٍ مُعيَّن، يكون إمَّا داعمًا للحياةِ وإمَّا مميتًا. وفي حال توجُّه الأطباء لإجراء علاجٍ قويٍّ كالحرق مثلاً فسيلجئون حينئذٍ - وإن كان هناك وقت - إلى عِلم التنجيم لتحديد اليوم الأنسب من الأسبوع. غير أن ذلك ليس ممكنًا دائمًا، مثل حالات الطوارئ، أو عدم وجود الوقت الكافي.

الجِراحة

اتَّخذ الطبُّ التيبتي في الأزمنة القديمة شكلَ الجِراحة، لدينا صورٌ في نصوصٍ عن الأدوات الجراحية. ولكن، وفي إحدى المرات، أجرى أحد الأطباء جِراحةً لقلب إحدى الملكات، وكانت عملية ناجحة، وبعد ذلك مُنِعَت العمليات والجراحة. ويمكن للطب التبتي أن يشفِيَ الكثير من الأمراض بمساعدة الأعشاب، التي تتطلب إجراء عملية في الغرب، مثل التهاب الزائدة الدودية. لو تعرضنا لحادث سير يمكن للطب التبتي أن يساعد في ترتيب العظام، فهناك دواء مُفيدٌ جِدًّا للصدمات، ويساعد في الشفاء السريع. ولكن، إذا كُنَّا حقًّا بحاجة إلى عملية جراحية فالأفضل الذهاب إلى الأطبَّاء الغربيين.

يكمُن جوهر المسألة في أنَّنا يجب ألاَّ نُعلِّق كل آمالنا على نظامٍ طِبِّيٍّ واحد فقط، فالعديد من الأنظمة الطِّبِّيَّة حول العالم تُفيد أنواعًا معينة من الأمراض. وهناك أمراض مُعيَّنة لم يتمكَّن الطبُّ التبتي من علاجها أبدًا، مثل الجدري أو السُّلِّ. لكنه برَعَ في علاج أمراض أخرى ليس لدينا علاج لها في الغرب، مثل التهاب المفاصل والتهاب الكبد. وبعض أنواع السرطان – وليس كلُّه - تستجيب للعلاج بشكلٍ لا بأس به في الطِّبِّ التبتي. وإن كان لا يَشفِي تمامًا من السرطان، إلاَّ أنه قادر على تقليل الألم، وجعل حياة شخصٍ يحتضر في حال أفضل.

ملاءمات عصرية

من المثير للاهتمام كذلك أن النصوص القديمة تتنبَّأ بنشوء أمراض جديدة في المستقبل، فاليوم لدينا أمراض مثل الإيدز والأمراض الناتجة عن التلوُّث. ووصفات صنع هذه الأدوية واردة في النصوص، ولكنها غامضة بعض الشيء. كان د. تينزين تشويداك، إضافةً إلى كونه الطبيب الأكبر لقداسة الدالاي لاما، هو الشخص الذي استطاع فَكَّ رموز هذه الوصفات، وصنع أدوية جديدة.

يُصنع الكثير من هذه الأدوية من الزئبق المنزوع السُّمِّ؛ إذ يُطبَخ مع مركبات أخرى عِدَّة أشهر فترةً زمنية مُحدَّدة، ضمن عملية بطيئة جِدًّا من نزع السُّمِّ. وقد عُدَّ هذا النوع من الأدوية مساعِدًا جِدًّا بالنسبة للأمراض الناتجة عن التلوُّث، ويجدر بالذكر أنَّ نسبة ضخمة من أمراضنا العصرية ناتجة عن التلوث. وقد شهِدَ هذا النوع من الأدوية نجاحًا جيِّدًا في علاج الأشخاص الذين تعرَّضوا للتلوُّث عبر كارثة بوبال الكيميائية في الهند. وقد حَظِيتُ بشرف السفر مع د. تينزين تشويداك إلى روسيا قبل بضع سنوات؛ حيث كان يختبر هذا الدواء من أجل ضحايا إشعاع تشرنوبل، وذلك بدعوةٍ من وزارة الصِّحَّة الروسية، وكانت النتائج الأولية مُشجِّعة للغاية. إذًا، ورغم أن الطبَّ التبتي قديم ومُعقَّد، إلا أنه قادر على التكيف مع الأمراض الجديدة كذلك، وأن يُقدِّم مساعَدة كبيرة للكثير من أنوع الاضطرابات.

موقفٌ واقعي نحو العلاج

لا ينبغي أن نتوقع حدوث معجزات من تناول الدواء التبتي، كما ينبغي أن ننظر إلى الكرما بعين الاعتبار. فربما يُصاب شخصانِ بالمرض نفسه، ويتناولان الدواء نفسه، فيُشفَى أحدهما، ولا يشفى الآخر. ويرجع ذلك إلى العديد من العوامل، أحدها العلاقة الكارمية من الحيوات السابقة التي كان لها نوع معين من المعالجة الطبية وطبيب خاص. فإذا لم +يبن المرء قُوى الكرما من أجل الشفاء من مرض ما، فلا يَهم نوع الدواء الذي يتناوله، أو نوع الطبيب الذي يعالجه، ولن ينفعه أي شيء. ويجب أن نكون واقعيين عند تناول أي نظام طبي، بما في ذلك النظام التبتي. كما أننا نحتاج كذلك أن يكون لدينا توجُّه إيجابي؛ لأن ذلك يُؤثِّر بالتأكيد على الجهاز المناعي. ولكن لا ينبغي أن نَتوقَّع حدوث معجزات، ومِن ثَمَّ نحاكم الطبيب إذا لم يفلح الدواء كما نتمنَّى.

أسئلة وأجوبة

سؤال: هل يمكنك إفادتنا أكثر بشأن طقوس الشِّفاء؟

جواب: إن مناقشة طقوس الشفاء شبيهة بما ناقشناه بالنسبة إلى الكارما، فالأمراض التخيُّلية أو النفسية، التي تسببها قوى ضَارَّة، عادةً ما تُعالَج بالطقوس والصلوات. ويؤدي التبتيون في أحيان كثيرة "بوجا" أو صلوات بالإضافة إلى العلاج الطِّبِّيِّ، ولا تفيد البوجا الإنسان المريض دون تناول الدواء، فالاعتماد عليها وحدها يشبه الفكاهة التالية:

كان هناك رجل يُصلِّي لله ليساعده، وأخيرًا خاطبه الله قائلاً: "ماذا تريد؟" فأجاب الرجل: "أريد أن أكسب اليانصيب". فقال له: "حسنًا". فانتظر الرجل وانتظر دون أن يحصل على شيء، فبدأ صديقنا بالصلاة من جديد قائلاً: "يا ربِّ، لماذا تخلَّيْتَ عني؟" فأجابه الله قائلاً: "يا غَبِيُّ، اشترِ بطاقة يانصيب!"

لن تكون الطقوس مُؤثِّرة إلى أن نشتري بطاقة اليانصيب، أعني نتناول الدواء. حينئذٍ يمكنها أن تقدم بعض المساعدة، لكنها لن تُصنع المعجزات، هي تساعد فقط إذا كنا لدينا الإمكانية الكارمية لتلقِّى المساعدة من هذا النوع من الطقوس. وعلى المرء أن يتوجَّه إلى هذه الطقوس بأسلوب واقعي، ويمكن لها أن تساعدنا على تعزيز ثِقتنا، ولكنها لا تزيد عن كونها عاملاً مساعِدًا للعلاج الطبي، فهي ليست سحرية أو عجيبة.

سؤال: هي يمكنك إفادتنا أكثر عن الأدوية المُصنَّعة من الأحجار الكريمة؟

جواب: يمتلك الطِّبُّ التبتي ما يُدعى بـ"الأقراص الثمينة"، التي عادةً ما تُصنع من الزئبق المنزوع السُّمِّ، وبعض الأحجار الكريمة والمعادن، وأعلمُ أنهم يستخدمون غُبار الماسِ والذهب والفِضَّة. وتستخدم بعض المعادن الأخرى، ولا أعرف تفاصيل دقيقة عنها. تستخدم الأقراص الثمينة لنزع السُّم وما إلى ذلك، وعادةً ما تصل ملفوفة بحريرٍ مُلوَّن مع ختمٍ شَمعي لأنها حسَّاسة للضوء، فعلينا ألاَّ نُعرِّضها للضوء. علينا أحيانًا نقعها في الماء لإزالة الحرير فحسب، وفرزها داخل فمنا على الفور.

سؤال: عندما شُفيتَ من اضطرابات الريح، هل نصحك الأطباء بالاستحمام بماء ساخن أم بارد؟

جواب: لا، لم يذكروا أي شيءٍ عن الاستحمام. بعض اضطرابات الريح مُصنَّفة بأنها ساخنة أو باردة. وبالنسبة للبعض، يُعَدُّ الحفاظ على الدفء أمرًا مساعِدًا، لذا قد يكون الماء الساخن مساعِدًا، ولكن ليس الساونا. ويمكننا الاستنتاج أنَّ الذهاب إلى الساونا ليس مُفيدًا للريح، كما أنه يرفع ضغط الدم، والحرارة ضارَّة جِدًّا لاضطرابات الصفراوية. أما بالنسبة لاضطرابات البلغم فالعَرَق مُفيدٌ جِدًّا لأنه يساعد في إفراز البلغم بكثرة، إذن فالساونا مُفيدة بالنسبة لهذا الأمر الأخير.

سؤال: هل من الممكن تتبُّع مرضٍ لم يظهر بعدُ، ولكن ظهرت أعراضه؟

جواب: يمكن للتبتيين حقيقةً معالجة الأمراض التي ظهرت أعراضها فقط. وأنا أتناول دواءً تبتيًّا حاليًّا لتلك الأسباب لعَيْنَيَّ، اللتيْنِ بدأتا تضعفان تدريجيًّا، وألْحَظ أنني لم أُعانِ من أية مشاكل في عَيني. لكن ذلك النوع من العلاج يأخذ وقتًا طويلاً عَادَةً.

سؤال: إذا لم نستطع إيجاد طبيب تبتي، فما الذي يشبه الطبَّ التبتيَّ عندنا في ثقافتنا، خاصَّةً إذا كنا نتناول دواءً تبتيًّا؟

جواب: يصعب وجود شبيه للطب التبتي في الغرب، ولكن بعيدًا عن العلاج الغربي ربما يكون الطبُّ الصيني أو طب الأيورفيدا هو الأقرب. أحيانًا في التقليد التبتي نحصل على مسحوق يُحوَّل إلى نوعٍ من الشاي، ولكنه ليس مثل أنواع الشاي في النظام الصيني. ففي النظام الصيني لا يخلطون المركبات، بل يقدمون أربعة أو خمسة مركبات، وعلينا نحن أن نحضر الشاي بأنفسنا. وفي العصر الحديث صنعَ الصينيُّون أقراصًا، ولكنَّ تقاليدهم لا تسمح لهم بفعل ذلك.

إذا وجدنا أن الدواء التبتي فَعَّال يمكننا الحصول على المزيد. وإذا كان معنا وصفة طبية يمكننا إرسال نسخة منها، وعَيِّنة بول من البول الأول في اليوم، في علبة بلاستيكية صغيرة غير قابلة للكسر لموظفي الخدمات، ونكتب على العلبة: "عينة بول" فقط.

سؤال: ما إجراءات النظافة التي تُتَّخذ عند صُنْع هذه الأدوية؟

جواب: تُغسل النباتات الطبية بالماء وتُجفَّف في الشمس، ولكن لا أعتقد أن ذلك يُحقِّق معايير الصحة العامَّة الغربية. ولكن، لم أسمع عن أي شخصٍ يُصاب بمشاكل في المَعِدة بسببها، أعرف مثالاً واحدًا فقط لرجلٍ عجوز في الغرب يعاني من سرطان في مراحله المتقدمة، قد أصيب بالإسهال من الدواء.

سؤال: ألن يتلوَّث البول في علبة البلاستيك الصغيرة؟

جواب: في الحقيقة يجب غسل العلبة بالشامبو أولاً! أمَّا بالنسبة للبلاستيك فهو لا يتفاعل بدرجة عالية مع البول.

سؤال: هل يمكن دمج الدواء الصيني بالدواء الغربي؟

جواب: يحدث ذلك أحيانًا، ومن المُفضَّل ألاَّ نتناول الأدوية في الوقت نفسه، بل يجب أن يكون هناك ساعتان بين كل دواءيْنِ. أحيانًا تُضفي أقراص الفيتامين القوية - خاصة الفيتامين ب - لونًا على بولنا، لذا من المفضَّل عدم تناول الفيتامينات قبل يومٍ من زيارة طبيب تبتي.

سؤال: إذا كان الإنسان مريضًا مَرضًا لا شفاءَ منه، فهل يقوم يُنفِّذ الطبيب التبتي قتل الرحمة؟

جواب: لا، الأطباء التبتيون لا يفعلون ذلك، بل إنهم يُقلِّلون الألم، ويجعلون المريض مرتاحًا قدر الإمكان. التوجه البوذي هو الذي جعل الكارما تُنهي وظيفتها بشكل طبيعي. وبالطبع لم يكن لديهم آلات تُطيل الحياة صناعِيًّا.

سؤال: كثيرا ما تُخَدَّر الكلاب في الغرب - على سبيل المثال - لتنام. فهل يفعلون ذلك؟

جواب: لا يُنصح بذلك من وجهة نظر بوذية. وبالطبع فالأمر يعتمد على الحالة، وعلينا أن نحكم على كل وضعٍ بشكل منفصِل، وهذا ما أكَّده قداسة الدالاي لاما نفسه. وإذا كانت الأدوية محدودة وعلينا أن نختار بذل كمية ضخمة من الموارد لإطالة حياة أحد الأشخاص - صناعيًّا - وهو سيموت بأية حال، وكان هناك آخَرون يحملون إمكانية الشفاء، ويمكنهم الاستفادة من هذه الموارد، حينئذٍ يجب على المرء أن يتَّخذ قرارًا صعبًا.

سؤال: هل هناك مهلة زمنية تتعلَّق بعلاج الأمراض المختلفة؟

جواب: لا أعرف. ففي الغالب يتوجَّه التبتيُّون بالسؤال إلى اللاما للعِرافة، إمَّا قبل بدئهم العلاج، وإمَّا في حال لم ينجح العلاج فسيوصيهم اللاما بإجراء طقسٍ أو بوجا مُعيَّن لدعم العلاج. أمَّا في الهند فإنهم سيسألون عن النظام الطبِّيِّ الذي يجب أن يستعينوا به: الغربي أو التبتي، وفي إطار النظام التبتي سيسألون عن أفضل طبيب يمكن استشارته. وقد يتمتَّع بعض الأشخاص برابطة كارمية مع الطبيب أكثر من شخص آخر، أو يمكن أن يكون طبيبٌ ما أفضل من آخر بالنسبة لنوع مُعيَّن من المرض.

وفي الغرب من الصعب أن يكون هناك هذا النوع نفسه من التكهُّن، ولا يمنح الطبُّ التبتي شفاءً حاليًّا لمعظم الأمراض. فإذا انتابتنا نوبة ربو فلن يفتح الطِّبُّ التبتي رئتيْنا فورًا مثل المِضخَّة. ولكن سبق أن عانيتُ من التهاب الكبد في الهند، وبعد يوم ونصف اليوم من الدواء التبتي أمكنني النهوض من السرير، وهو أمرٌ سيكون مستحيلاً في الغرب.

سؤال: هل هناك خليط من الدواء التبتي وشامانية ديانة البون؟

جواب: نظام التكهُّن كاملاً لتحديد الطقس المناسب أو غير المناسب، وتحديد الأرواح التي قد يكون لها دورٌ، هو جانبٌ يأتي من البونية، كما أنَّ عِلم التنجيم جاء من نظام البونية كذلك.

سؤال: كيف يتعامل الطِّبُّ التبتي مع الأسنان؟

جواب: كما قلتُ في البداية، أنا لستُ طبيبًا، لذا لا يمكنني الإجابة عن أسئلة تقنية عينية، فعذرًا. ولكنِّي أعرف أن مشاكل الأسنان عادةً ما تبدو أنها تنتج بسبب الميكروبات، وهي الطريقة نفسها التي ننظر بها إلى التجويفات كذلك. ليس لديهم نظامٌ مُتطوِّرٌ في مجال طِبِّ الأسنان، ولم يسبق لي أن رأيتهم يمارسون أيَّ عمل يتعلَّق بالأسنان. هناك "إزالة الدودة من السِّنِّ"، والتي تعني - حَسَب رأيي - قلع العصب. فقلع سِنٍّ فاسدة فقط لا يعطي طِبَّ الأسنان هناك مركزًا مُهمًّا. ويتميَّز جِنْسُ التبتيِّين عامَّةً بأسنان ممتازة بشكلٍ ملحوظ، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى منتجات الحليب، التي تُعَدُّ بالنسبة لهم عنصرًا أساسيًّا في الحمية الغذائية التي يُربُّون عليها الأجيال.

سؤال: قال د. شويداك إن هناك أمراضًا معينة تُسببها الأرواح، فهل يمكنك شرح ذلك؟

جواب: ذاك هو ما أُشير إليه على أنه مستوى المرض التخيُّلي، وأعتقد أن كثيرًا من فَهمنا يعتمد على كيفية فَهْمنا للأرواح، سواء أكان ذلك شبحًا يرتدي غطاءً أبيض ويقول "بو"، أم اتخذنا الأمر مجازًا، ليشبه ذلك القوى الضارَّة في الحرب، التي تُرعب المرء. ويمكن عَدُّ الأسباب الظرفية لهبوط الأعصاب أو العوامل البيئية أرواحًا ضارَّة. وكثيرًا ما يتحدَّث التبتيون عن الأمراض التي يسبِّبها ناغا. وناغا هو نوع من الأرواح التي ترتبط بالبحيرات والأشجار والغابات، وعندما تُلوَّث منطقتُها تُسبِّب المشاكل. هذه طريقة للنظر إلى الأمراض التي تأتي من الخراب البيئي.

سؤال: ماذا عن الأمراض التي يُسبِّبها السحر الأسود أو الشعوذة؟

جواب: هناك طقوسٌ يستخدمها التبتيون للتغلُّب على مثل هذه الأمور، ويأخذ التبتيون تلك الأمور كُلَّها بجدِّية تامَّة. فمثل هذه الأمراض تنتمي إلى الأمراض التخيُّلية. و"التخيُّلية" هي ليست الترجمة الأفضل للكلمة، لكن هذا هو ما تعنيه حَرفيًّا.

سؤال: هل هناك تأمُّلات مُعيِّنة يمكن للمرء ممارستها لأنواع مُعيِّنة من الأمراض؟

جواب: لا عِلم لي بوجود تأمُّلات خاصَّةٍ البرد في وجه مَعِدة مُضطربة، لكن هناك بالتأكيد تأمُّلات شِفائيَّة يمكن استخدامها لأي نوعٍ من الأمراض. وهي تمارس في العادة مع تصورات لشخوص بوذا معيِّنين من تارا، وهو بوذا الدواء، أو أميتايوس. وتمارس في العادة بالعناصر الخمسة التي سبق أن ناقشناها في البداية، لذا فإنها تنطوي على تخيُّل كلِّ عنصر بأنه عنصر شفاءٍ بدوره. كما يمكننا تخيُّل شخص آخر مريض موجود في قلوبنا، ونؤدِّي النوع نفسَه من التصوُّرات الشِّفائية. وبعد ذلك هناك تأمُّل الشفاء الذي يُدعى "الأخذ والعطاء" والذي يُمارَس أيضًا بالمُخيَّلة. وفي الطبِّ أو التأمُّل التبتي ليس هناك شيء يعادل الاستلقاء على الأيدي. فنحن نتحوَّل إلى حمقى تمامًا إذا لم ينجح الأمر، وقليلاً ما ينجح، لذا فمن الخطر الادِّعاء أنَّنا نستطيع فعل ذلك. فتصوُّر أخذ أمراض الآخرين وإعطائهم الصِّحَّة الجيِّدة هو أمرٌ شائعٌ جِدًّا.

بالطبع هناك أنظمة غير تبتية، مثل ريكي وغيره، تنطوي على العلاج بالأيدي، ومن وجهة نظر بوذية تبتية فإن هذه الأنواع من العلاجات لا يمكن إكمالها ببساطة من خلال التدليك الجسدي، مثل الاستلقاء الجسدي على الأيدي، وإنما من خلال العمل الذهني للشفاء.

ومهما يكن النظام الذي نستخدمه فستظلُّ هناك بعض الحالات التي لا يُؤثِّر فيها هذا النظام. ويعتمد الأمر على كيفية عرضنا له، فلو أننا عرضنا طريقة ما على أنها طريقة ناجحة ثم ثبت فشلها فسنكون حَمْقَى. وفي أي نظام طبي يُفضَّل دائمًا أن نقول: نظن أن الأمر قد ينجح، فسنُجرِّبه ونرى ماذا يحدث.

سؤال: هل طرد الأرواح الشريرة جزء من الطِّبِّ التبتي؟

جواب: ليس في الطبِّ التبتي نفسه، بل في الطقوس التي يمكن أداؤها لدعم العلاج.

التكريس

فَلْنختِمْ بالتكريس، ولتهزمْ أيَّةُ طاقة إيجابيَّة أو إمكانية رسختها هذه المشاركة أمراضنا وقصورنا ومشاكلنا، وليتمكَّن كُلُّ شخص من إدراك الصِّحَّة الجيَّدة وإدراك إمكاناته الإيجابيَّة؛ لِيقدِّمَ أفضل مساعدة للآخرين


كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 H5g70972

اتمنى اكون وفقت بتجميع هذه المعلومات والاستفادة منها

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 SG281038
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
دموع حائرة
كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Copy_o10
دموع حائرة


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 04/03/2011
المساهمات : 14462
عدد النقاط : 24857
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary24
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Profes10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Unknow11
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female31
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h510
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Ss610
أوسمة المسابقات : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 WnNnl

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Y4Oan

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين 30 يناير 2012, 12:02 am

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Is_049
شهد
مجهود رائع
وجهد مميز
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى
في انتظار كل ما هو جديد
تحياتي
لميس




كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 949
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين 30 يناير 2012, 9:02 am

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 13279056216110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
رولا رولى
عضـــــو ذهـــــبي عضـــــو ذهـــــبي
رولا رولى


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 25/01/2012
المساهمات : 550
عدد النقاط : 608
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary10
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Trader10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Riding10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Male_s12
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 7710
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 F18c8c10

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالجمعة 03 فبراير 2012, 8:58 pm

واوووووووووووووووووو من جد يعتبر مرجع انتى تعقدى جد

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 0208111102382myapzcdtsa1pifye06
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
pяïηcëss
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
pяïηcëss


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 11/05/2012
المساهمات : 3571
عدد النقاط : 5456
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary28
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Sports10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female31
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 E0449b11
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 7710
أوسمة المسابقات : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 H2uxn

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالخميس 13 سبتمبر 2012, 4:05 pm

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 942916608
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Celina
كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 15751613
Celina


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 21/12/2009
المساهمات : 12379
عدد النقاط : 18808
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Qatary32
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Collec10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Sports10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Female31
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 3h510
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 1510
أوسمة المسابقات : كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 AVvoI

كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 I_icon_minitimeالأربعاء 20 فبراير 2013, 5:02 pm

موضوع في قمة الجمال
وأضاء بجماليه أرجاء المكان

فجزاك الله خيرا

لك منـــــــي اجمل تحية

و نفعك و نفع بك جميع المسلمين

✿ Celiηα


كل شي عن البوذيين  .. مميز. - صفحة 2 Download
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كل شي عن البوذيين .. مميز.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» ][ حلو مميز وعجيب ][
» مكتبة افلام النجم فان دايزل Vin Diesel 14 فيلم مترجم علي اكثر من سيرفر
» حيــــــــــــــآآآكمـ معناً (5)عسل...(10)ملك...(15)قمر...(20)مميز...!!
» ((( حلو مميز بالصوور )))
» ((( فضل يوم الجمعة )) مميز>>

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتــــــدي الفنــــــي :: الأفلام الوثائقيـــة-
انتقل الى: